وقرأ أبو جعفر في رواية «مُفرِّطُونَ» بتشديد الرَّاءِ مكسورة من فرَّط في كذا، أي: قصَّر، وفي رواية مفتوحة من فرَّطتهُ معدى بالتَّضعيف؛ أي من «فرط» بالتخفيف أي: تقدَّم، وسبق.
وقرأ عيسى بن عمر والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «لا جَرمَ إنَّ لهم النار وإنهم» بكسر «إن» فيهما على أنهما جواب قسم، أغنت عنه: «لا جرم» .
ثم بين - تعالى - أن هذا الصُّنع الذي صدر من مشركي قريش، قد صدر عن سائر الأمم السَّابقة في حق أنبيائهم - صلوات الله وسلامه عليهم -.
فقال: {تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} أي: كما أرسلنا إلى هذه الأمَّة، وهذا تسليةٌ للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم.
قالت المعتزلة: هذه الآية تدلُّ على فساد قول المجبرة من وجوهٍ:
أحدها: أنَّه إذا كان خالقُ أعمالهم هو الله - تعالى -، فلا فائدة في التَّزيينِ.
والثاني: أنَّ ذلك التزيين لما كان بخلق الله - تعالى - لم يجز ذمُّ الشيطان بسببه.
والثالث: أنَّ ذلك التزيين هو الذي يدعو الإنسان إلى الفعل، وإذا كان حصول الفعل بخلق الله - تعالى - كان ضرورياً، فلم يكن التَّزيينُ داعياً.
والرابع: أنَّ على قولهم: الخالق لذلك العمل، أجدر بأن يكون ولياً لهم من الدَّاعي إليه.
الخامس: أنه - تعالى - أضاف التزيين إلى الشَّيطان، ولو كان ذلك المزيِّن هو الله - تعالى - لكانت إضافته إلى الشَّيطان كذباً.
والجواب: إنْ كان مزين القبائح في أعين الكفَّار هو الشيطان، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطاناً آخر؛ لزم التَّسلسل، وإن كان هو الله - تعالى - فهو المطلوبُ.
قوله: {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} يجوز أن تكون هذه الجملة حكاية حال ماضية، أي: فهو ناصرهم، أو آتية.
ويرادُ باليوم يوم القيامةِ، والمعنى: فهو وليّ أولئك الذين زيِّن لهم أعمالهم يوم القيامةِ، وأطلق اسم اليوم على يوم القيامةِ لشهرته، والمقصود أنَّهُ لا وليَّ لهم، ولا ناصر لهم؛ لأنهم إذا عاينوا العذاب، وقد نزل بالشَّيطان كنزوله بهم، رَأوْا أنه لا مخلِّص له منه كما لا مخلص لهم منه؛ جاز أن يوبَّخوا بأن يقال لهم: «هذا وليُّكم اليوم» على وجْه السُّخريةِ.