قال أبو حيَّان: أما قوله: «باتِّفاقٍ» إن عنى به من البصريين، فصحيحٌ، وإن عنى به من النَّحويين، فليس بصحيح؛ إذْ قد ذهب بعضهم غلى أنَّه وإن أضيف لا يعمل، فإن وجد بعده منصوب أو مرفوع قدَّر له عاملاً، وأما قوله: «في تقدير الانفصال» فليس كذلك، إلا أن تكون إضافته غير محضة؛ كما قال به ابن الطراوة وابن برهان، ومذهبهما فاسد؛ لأن هذا المصدر قد نعت وأكد بالمعرفة، وقوله: «لا يعمل ... إلى آخره» ناقضه بقوله: «وقد جاء عاملاً ... إلى آخره» .
قال شهاب الدِّين: فغاية ما في هذا أنَّه نحا إلى أقوال قال بها غيره، وأمَّا المناقضة، فليست صحيحة؛ لأنه عنى أولاً أنَّه لا يعمل في السَّعة، وثانياً أنه قد جاء عاملاً في الضرورة، ولذلك قيَّده فقال: «في قول الشَّاعر» .
قوله: «شَيْئاً» فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: انه منصوبٌ على المصدر، أي: لا يملك لهم ملكاً، أي: شيئاً من الملك.
والثاني: أنه بدلٌ من «رِزْقاً» أي: لا يملك لهم رزقاً شيئاً، وهذا غير مقيَّد؛ إذ من المعلوم أن الرزق شيء من الأشياء، ويؤيِّد ذلك أن اببدل يأتي لأحد معنيين: البيان أو التَّأكيد، وهذا ليس فيه بيان؛ لأنه أعمٌّ، ولا تأكيد.
الثالث: أنه منصوب ب «رِزْقاً» على أنه اسمُ مصدر، واسم المصدر يعمل عمل المصدر، على خلاف في ذلك.
ونقل مكِّي: أن اسم المصدر لا يعمل عند البصريين إلا في شعر، وقد اختلف النقلة عن البصريِّين؛ فمنهم من نقل المنع، ومنهم من نقل الجواز.
وقد ذكر الفارسي انتصابه ب «رِزْقاً» كما تقدَّم.
ورد عليه ابن الطراوة: بأن الرِّزق اسم المرزوق، كالرِّعي، والطحن. وردَّ على ابن الطراوة؛ بأنّ الرزق بالكسر أيضاً مصدر، وقد سمع فيه ذلك، وظاهر هذا أنه مصدر بنفسه لا اسم مصدر.
قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ} يجوز في الجملة وجهان:
العطف على صلة «مَا» ، والإخبار عنهم بنفي الاستطاعة على سبيل الاستئناف، ويكون قد جمع الضمير العائد على «مَا» باعتبار معناها؛ إذ المراد بذلك آلهتهم.
ويجوز أن يكون الضمير عائداً على العابدين.
فإن قيل: قال - تعالى -: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَا يَمْلِكُ} فعبَّر عن الأصنام بصيغة «ما» وهي لغير العاقل، ثم جمع بالواو والنون فقال: «ولا يَسْتَطِيعُون» ، وهو مختص بأولي العلم.