للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله} أي: إنه - تعالى - حكم عليهم بالعذاب، ثم وصف ذلك العذاب فقال - تعالى -: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

قوله: {ذلك بِأَنَّهُمُ} مبتدأ وخبره؛ كما تقدم، والإشارة ب «ذلك» إلى ما ذكر من الغضب والعذاب؛ ولذلك وحَّد، كقوله: «بين ذلك» و: [الرجز]

٣٣٦٢ - كَأنَّهُ في الجِلْدِ..... ... ... ... ...

قوله: {استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} أي: ذلك الارتداد وذلك الإقدام على الكفر؛ لأجل أنَّهم رجَّحوا الدنيا على الآخرة، {وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي القوم الكافرين} أي: ذلك الارتداد إنما حصل لأجل أنه - تعالى - ما هداهم إلى الإيمان، وما عصمهم عن الكفر.

قال القاضي: المراد أن الله تعالى لا يهديهم إلى الجنَّة، وهذا ضعيف؛ لأن قوله - تعالى -: {وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي القوم الكافرين} معطوف على قوله: {ذلك بِأَنَّهُمُ استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} فوجب أن يكون قوله: {وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي القوم الكافرين} علَّة وسبباً موجباً لإقدامهم على ذلك الارتداد، وعدم الهداية يوم القيامة إلى الجنة ليس سبباً لذلك الارتداد ولا علَّة، بل كسباً عنه ولا معلولاً له، فبطل هذا التَّأويل.

ثم أكد أنه - تعالى - صرفهم عن الإيمان؛ فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} قال القاضي: الطبع ليس يمنع من الإيمان لوجوه:

الأول: أنه - تعالى - أشرك ذكر ذلك في معرض الذَّم، ولو كانوا عاجزين عن الإيمان به لما استحقوا الذَّم بتركه.

الثاني: أنه - تعالى - أشرك بين السَّمع، والبصر، والقلب في هذا الطبع، ومعلوم أن مع فقد السمع والبصر قد يصحُّ أن يكون مؤمناً، فضلاً عن طبع يلحقهما في القلب.

الثالث: وصفهم بالغفلة، ومن منع من الشيء لا يوصف بأنه غافل عنه، فثبت أن المراد بهذا الطَّبع السِّمة والعلامة التي يخلقها في القلب، وتقدَّم الجواب في أول سورة البقرة.

ثم قال - تعالى -: {وأولئك هُمُ الغافلون} قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: أي: عما يراد بهم في الآخرة.

ثم قال: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الخاسرون} ، أي: المغبونون، والموجب لهذا الخسران أنه - تعالى - وصفهم بصفاتٍ ستة:

<<  <  ج: ص:  >  >>