قوله:{مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} قرأ ابن عامر: «فَتَنُوا» مبنيًّا للفاعل، أي: فتنوا أنفسهم فإن عاد الضمير على المؤمنين، فالمعنى: فتنوا أنفسهم بما أعطوا المشركين من القول ظاهراً، أو أنهم صبروا على عذاب المشركين، فكأنهم فتنوا أنفسهم.
وإن عاد على المشركين، فهو واضح، أي: فتنوا المؤمنين.
والباقون «فُتِنُوا» مبنياً للمفعول، والضمير في «بَعْدهَا» للمصادر المفهومة من الأفعال المتقدمة، أي: من بعد الفتنة، والهجرة، والجهاد.
وقال ابن عطيَّة:«عائدٌ على الفتنة، أو الفتنة والهجرة أو الجهاد أو التوبة» .
فصل
وجه القراءة الأولى أمور:
الأول: أن يكون المراد أنَّ أكابر المشركين - وهم الذين آذوا فقراء المسلمين - لو تابوا وهاجروا وصبروا، فإنَّ الله يقبل توبتهم.
والثاني: أن «فَتَن» و «أفْتنَ» بمعنى واحد؛ كما يقال: مَانَ وأمَان بمعنى واحد.
والثالث: أن أولئك الضعفاء لما ذكروا كلمة الكفر على سبيل التقيَّة؛ فكأنهم فتنوا أنفسهم؛ لأن الرخصة في إظهار كلمة الكفر ما نزلت في ذلك الوقت.
وأما وجه القراءة الثانية فظاهر؛ لأن أولئك المفتونين هم المستضعفون الذين حملهم المشركون على الرجوع عن الإيمان، فبين - تعالى - أنهم إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا، فإن الله تعالى يغفر لهم تكلمهم كلمة الكفر.
فصل
يحتمل أن يكون المراد بالفتنةِ: هو وأنهم عذِّبوا، وأنهم خوِّفوا بالتَّعذيب، ويحتمل أن يكون المراد: أن أولئك المسلمين ارتدُّوا.
وقال الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: هؤلاء الذين هاجروا من المؤمنين كانوا بمكَّة، فعرضت لهم فتنة فارتدُّوا، وشكُّوا في الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ثم أسلموا وهاجروا، ونزلت هذه الآية فيهم.
وقيل: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان يكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فاستزلَّه الشيطان فلحق بالكفَّار، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوم فتح مكَّة بقتله، فاستجار له عثمان، وكان أخاهُ