وروى الدَّارمي بإسناده عن الأعمش قال:«ما سمعت إبراهيم قط يقول: حلالاً ولا حراماً، ولكن كان يقول: كانوا يتكرَّهون، وكان يستحبُّون» وقال ابن وهب: قال مالك: لم يكن من فتيا النَّاس أن يقولوا: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، ولكن يقولوا: إيَّاكم كذا وكذا، لم أكن لأصنع هذا، ومعنى هذا: أن التَّحليل والتَّحريم إنَّما هو لله - عَزَّ وَجَلَّ - وليس لأحد أن يقول أو يصرِّح بهذا في عين من الأعيان، إلا أن يكون الباري - سبحانه وتعالى - فيخبر بذلك عنه، فأما ما يئول إليه اجتهاده، فإنه يحرم عليه أن يقول ذلك، بل يقول: إني أكره كما كان مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - يفعل.
قوله:«لِتَفْتَرُوا» في هذه اللَاّم ثلاثة أوجه:
أحدها: قال الواحدي: إنه بدلٌ من «لِما تَصِفُ» ؛ لأن وصفهم الكذب هو افتراءٌ [على الله] .
قال أبو حيَّان:«وهو على تقدير جعل» ما «مصدرية، أما إذا كانت بمعنى الذي، فاللَاّم فيها ليست للتَّعليل، فيبدل منها ما يفهم التعليل، وإنَّما اللام في» لِمَا «متعلِّقة ب» لا تَقُولوا «على حدِّ تعلقها في قولك: لا تقولوا لما أحل الله هذا حرام، أي: لا تسمُّوا الحلال حراماً، وكما تقول: لا تقل لزيد: عمرو أي: لا تطلق عليه هذا الاسم» .
قال شهاب الدين: وهذا وإن كان ظاهراً، إلا أنه لا يمنع من إرادة التعليل وإن كانت بمعنى الذي.
الثاني: أنها للصَّيرورة؛ إذ لم يفعلوه لذلك الغرض؛ لأن ذلك الافتراء ما كان غرضاً لهم.
والمعنى: أنهم كانوا ينسبون ذلك التحريم والتحليل إلى الله - تعالى - ويقولون: إن الله أمرنا بذلك.
قال ابن الخطيب: فعلى هذا تكون لام العاقبة؛ كقوله - تعالى -: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَنا}[القصص: ٨] .
الثالث: أنها للتعليل الصريح، ولا يبعد أن يصدر عنهم مثل ذلك. ثم إنَّه - تعالى - أوعد المفترين فقال:{إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لَا يُفْلِحُونَ} ثم بيَّن أن ما هم فيه من [متاع] الدنيا يزول عنهم عن قربٍ، فقال:{مَتَاعٌ قَلِيلٌ} قال الزجاج: معناه: متاعهم