وما ذكره مكِّي من امتناع الحال من المضاف إليه، فليس على إطلاقه؛ كما تقدم تفصيله في البقرة.
وأما قول ابن عطية - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن العامل الخافض، فليس كذلك؛ إنما العامل ما تعلق به الخافض، وكذلك إذا حذف الخافض، نصب مخفوضه.
فصل
قال قوم: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان على شريعة إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - وليس له شرعٌ معيَّن، بل المقصود من بعثته: إحياء [شرع] إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بهذه الآية، وهذا ضعيف؛ لأنه - تعالى - وصف إبراهيم - عليه السلام - في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين، فلما قال {أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ، كان المراد ذلك.
فإن قيل: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إنما نفى الشرك وأثبت التوحيد؛ بناء على الدَّلائلِ القطعية، وإذا كان كذلك، لم يكن متابعاً له، فيمتنع حمل قوله:«أن اتَّبعْ» على هذا المعنى؛ فوجب حمله على الشَّرائع التي يصح حصول المتابعة فيها.
فالجواب: أنه يحتمل أن يكون المراد بمتابعته في كيفيَّة الدَّعوة إلى التوحيد؛ وهي أن يدعو بطريق الرفق، والسهولة، وإيراد الدلائل مرَّة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن.
قال القرطبي: وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول؛ لما يؤدِّي إلى الثواب، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أفضل الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - وقد أمر بالاقتداء بهم؛ فقال - تعالى -: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده}[الأنعام: ٩٠] ، وقال - تعالى - هنا:{ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} .