صلوات الله وسلامه عليه - باتِّباع إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، بين الشيء الذي أمره بمتابعته فيه؛ فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة ا} .
واعلم أنه - تعالى - أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يدعو النَّاس بأحد هذه الطرق الثلاثة، وهي:{بالحكمة والموعظة الحسنة} ، والمجادلة بالطريق الأحسن، وذكر - تعالى - هذا الجدل في آية أخرى، فقال - تعالى -: {وَلَا تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلَاّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت: ٤٦] ولمَّا ذكر الله - تعالى - هذه الطرق الثلاثة، وعطف - تعالى - بعضها على بعض وجب أن تكون طرقاً متغايرة.
واعلم أن الدَّعوة إلى المذاهب لا بد وأن تكون مبنيَّة على حجة وبينة، والمقصود من ذكر تلك الحجة: إما تقرير ذلك المذهب، وذلك على قسمين: لأن تلك الحجة إما أن تكون حجة قطعية مبرَّأة عن احتمال النقيض، أو لا تكون كذلك، بل تكون حجة تفيد الظن الظاهر، والإقناع الكامل، فظهر بهذا التقسيم انحصار الحجج في هذه الأقسام الثلاثة:
أولها: الحجة القطعية المفيدة للعقائد اليقينيّة، وذلك هو المسمَّى بالحكمة.
وثانيها: الأمارات الظنية، والدلائل الإقناعية، وهي الموعظة الحسنة.
وثالثها: الدلائل التي يكون المقصود منها: إلزام الخصوم وإقحامهم، وذلك هو الجدل، ثم هذا الجدل على قسمين:
أحدهما: أن يكون دليلاً مركباً من مقدِّمات مسلمة عند الجمهور، أو من مقدمات مسلمة عند ذلك الخصم، وهذا هو الجدل الواقع على الوجه الأحسن.
والقسم الثاني: أن يكون ذلك الدليل مركباً من مقدمات فاسدة باطلة، إلَاّ أن قائلها يحاول ترويجها على المستمعين، بالسَّفاهة والشَّغب، والحيل الباطلة، والطرق الفاسدة، وهذا القسم لا يليق بأهل [الفضل] ، إنما اللائق بهم القسم الأول، وهو المراد بقوله:{وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ} .
فصل
قال المفسرون: قوله: «بالحِكْمَةِ» أي: بالقرآن، «والمَوْعِظَةِ الحَسنَةِ» يعني: مواعظ القرآن. وقيل «المَوعِظَة الحَسنَة» هو الدعاء إلى الله - تعالى - ب التَّرغيب والتَّرهيب، وقيل: بالقول اللَّين من غير غِلَظٍ ولا تعنيف.