للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

النعم العظيمة، قد يعدل على التمسُّك بشرائعه، والرُّجوع إلى بيانه، ويقدم علىما لا فائدة فيه، فقال: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير} .

واختلفوا في المراد من دعاء الإنسان بالشرِّ، فقيل: المراد منه النضر بن الحارث، حيث قال: اللهُم، إن كان هذا هو الحقَّ من عندكَ. فأجاب الله دعاءه، وضُربَتْ رَقَبتهُ، وكان بعضهم يقول: ائْتِنَا بعذابِ الله، وآخرون يقولون: مَتَى هذا الوعد إن كنتم صَادقِينَ، وإنَّما فعلوا ذلك؛ للجَهْلِ، ولاعتقادِ أن محمَّداً - صلوات الله وسلامه عليه - كاذبٌ فيما يقول.

وقيل: المراد أنَّ الإنسان في وقت الضجر يلعنُ نفسه، وأهله وولده، وماله؛ كدعائه ربَّه أن يهب له النعمة والعافية، ولو استجاب الله دعاءه على نفسه في الشرِّ، كما يستجيب له في الخير، لهلك، ولكنَّ الله لا يستجيبُ؛ لفضله.

رُوِيَ أن النبي المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه - «دفع إلى سودةَ بنت زَمْعةٍ أسيراً، فاقبل يَئِنُّ باللَّيْلِ، فقالت له: مَا لَكَ تَئِنُّ؟ فَشَكَى ألم القدِّ، فأرْخَتْ لهُ مِنْ كتافه، فلمَّا نَامَتْ أخرجَ يدهُ، وهَربَ فلمَّا أصْبحَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دعا بِهِ، فأعْلمَ بِشأنهِ، فقال صلوات الله وسلامه عليه: اللَّهُمَّ اقطعْ يَدهَا، فَرفَعتْ سَوْدَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - يَدهَا تتَوقَّعُ أن يَقْطعَ الله يَدهَا، فقَال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إنِّي سَألتُ الله أنْ يَجْعلَ دُعائِي على مَنْ لا يَسْتحقُّ عَذاباً مِنْ أهْلِي رَحْمةً؛ لأنِّي بَشرٌ أغْضَبُ كَمَا تَغْضَبُونَ» .

وقيل: يحتمل أن يكون المرادُ أنَّ الإنسان قد يبالغُ في الدُّعاء طلباً للشَّيء، يعتقد أنَّ خيره فيه، مع أنَّ ذلك الشيء منبع لشرِّه وضرره، وهو يبالغ في طلبه؛ لجهله بحال ذلك الشَّيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل؛ لكونه عجولاً مُغْتَرًّا بظواهر الأمور غير متفحِّصٍ عن حقائقها، وأسرارها.

ثم قال تعالى: {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} .

وقيل: المراد الجنس؛ لأنَّ أحداً من النَّاس لا يعرى عن عجلةٍ، ولو تركها، لكان تركها أصلح له في الدِّين والدُّنيا، ومعنى القولين واحدٌ؛ لأنَّا إذا حملنا الإنسان على آدم - صلوات الله وسلامه عليه - فهو أبُو البشر وأصلهم، فإذا وصف بالعجلة، كانت الصفة لازمةً لأولاده.

وقال ابنُ عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «عَجُولاً» ضَجُوراً لا صبر له على سرَّاء ولا ضرَّاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>