للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كَفَى الشَّيْبُ والإسلامُ للمَرْءِ نَاهِيَا

وعلى هذا؛ فكان ينبغي أن يؤنَّث الفعل؛ لتأنيث فاعله، وإن كان مجروراً؛ كقوله {مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ} [المؤمنون: ٦] {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ} [الأنعام: ٤] . وقد يقال: إنه جاء على أحد الجائزين؛ فإن التأنيث مجازيٌّ.

والثاني: أن الفاعل ضمير المخاطب، و «كفى» على هذا اسم فعل أمر، أي: اكتفِ، وهو ضعيف؛ لقبولِ «كَفَى» علاماتِ الأفعالِ.

الثالث: أن فاعل «كََفَى» ضمير يعود على الاكتفاء، وتقدَّم الكلام على هذا. و «اليَوْمَ» نصبٌ ب «كَفَى» .

قوله: «حَسِيباً» فيه وجهان:

أحدهما: أنه تمييزٌ، قال الزمخشريُّ: «وهو بمعنى حاسبٍ؛ كضريب القداح؛ بمعنى ضاربها، وصريم بمعنى صارم، ذكرهما سيبويه، و» على «متعلقة به من قولك: حَسِبَ عليه كذا، ويجوز أن يكون بمعنى الكافي ووضع موضع الشَّهيد، فعدِّي ب» عَلَى «لأنَّ الشاهد يكفي المدَّعي ما أهمَّه، فإن قلت: لِمَ ذكر» حَسِيباً «؟ قلت: لأنه بمنزلةِ الشاهد، والقاضي، والأمين، وهذه المور يتولَاّها الرجال؛ فكأنَّه قيل: كفى بنفسك رجلاً حسيباً، ويجوز أن تتأوَّل النفس بمعنى الشخص، كما يقال: ثلاثةُ أنفسٍ» . قلت: ومنه قول الشاعر: [الوافر]

٣٣٩٠ - ثَلاثةُ أنْفُسٍ وثَلاثُ ذَودٍ ... لقَد جَارَ الزَّمانُ على عِيَالِي

والثاني: أنه منصوب على الحال، وذكر لما تقدم، وقيل: حسيبٌ بمعنى محاسب؛ كخليطٍ وجليسٍ بمعنى: مخالطٍ ومجالسٍ.

قال الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «عَدلَ، والله، في حقّك من جعَلكَ حَسِيبَ نَفْسكَ» .

وقال السديُّ: «يقول الكافر يومئذٍ: إنَّك قَضيْتَ أنَّك لست بظلام للعبيد، فاجعلني أحاسِبُ نفسِي فيقال له: اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً» .

<<  <  ج: ص:  >  >>