للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

السابع: روى يعلبٌ عن ابن الأعرابيّ: الأفُّ: الضجر.

الثامن: قال القتبيُّ: أصل هذه الكلمة أنَّه إذا سقط عليك ترابٌ أو رمادٌ، نفخت فيه لتزيله؛ والصَّوْت الحاصل عند تلك النفخةِ هو قولك: أفٍّ، ثم إنَّهم توسَّعوا، فذكروا هذه اللفظة عند كلِّ مكروه يصل إليهم.

قال مجاهدٌ: معنى قوله: {فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} أي: لا تتقذَّرهما: كما أنَّهما لم يتقذَّراك حين كنت تخرى وتبول.

وروي عن مجاهد أيضاً: إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك، فلا تقل لهما: أفٍّ.

فصل في دلالة الأفّ

قول القائل: «لا تقلْ لفلانٍ: أفٍّ» مثل يضرب للمنعِ من كل مكروهٍ وأذيَّةٍ، وإن خفَّ وقلَّ.

واختلف الأصوليُّون في أنَّ دلالة هذا اللفظ على المنع من سائر أنواع الإيذاء دلالةٌ لفظيةٌ، أو دلالة مفهومة بالقياس، فقيل: إنها دلالة لفظية، لأنَّ أهل العرف، إذا قالوا: لا تقل لفلانٍ أفٍّ، عنوا به أنَّه لا يتعرض له بنوعٍ من أنواع الأذى، فهو كقوله: فلانٌ لا يملكُ نقيراً ولا قطْمِيراً فهو بحسب العرف يدلُّ على أنه لا يملك شيئاً.

وقيل: إنَّ هذا اللفظ، إنَّما دلَّ على المنعِ من سائر أنواعِ الأذى بالقياس الجليِّ.

وتقريره: أنَّ الشَّرع، إذا نصَّ على حكمٍ في صورةٍ، وسكت عن حكم في صورةٍ أخرى، فإذا أردنا إلحاق الصُّورة المسكوت عن حكمها بالصورة المذكور حكمها، فهذا على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يكون ثبوت ذلك الحكم في محلِّ السكوت أولى من ثبوته في محلِّ الذِّكر كهذه الصورة؛ فإنَّ اللفظ إنما دلَّ على المنع من التأفيف، والضَّرب أولى بالمنع.

وثانيها: أن يكون الحكم ف يمحلِّ السكوت مساوياً للحكم في محلِّ الذِّكر، وهذا يسمِّيه الأصوليُّون: «القياس في معنى الأصل» كقوله صلوات الله وسلامه عليه: «مَنْ أعْتقَ شِركاً لهُ في عَبْدٍ، قُوِّمَ عليه البَاقِي» فإنَّ الحكم في الأمَةِ وفي العبد سواء.

وثالثها: أن يكون الحكم في محلِّ السكوت أخفى من الحكم في محلِّ الذِّكرِ، وهو أكثر القياساتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>