الأول: أنه لما بيَّن في الآية الأولى: أنَّه المتكفِّل بأرزاق العباد؛ حيث قال:{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ}[الإسراء: ٣٠] قال عزَّ وجلَّ: {وَلَا تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} .
الثاني: أنه تعالى، لمَّا علم كيفية البرِّ بالوالدين في الآية المتقدمة، علم في هذه الآية كيفية البرِّ بالأولاد، ولهذا قيل: إنَّ الأبرار إنما سمُّوا بذلك؛ لأنهم برُّوا الآباء والأبناء؛ فوجب برُّ الآباء مكافأة على ما صدر منهم من أنواع البرِّ؛ ووجب برُّ الأولاد، لأنَّهم في غاية الضعف والاحتياج ولا كافل لهم غير الوالدين.
الثالث: أنَّ امتناع الأولاد من برِّ الآباء يوجب خراب العالم؛ لأنَّ الآباء، إذا علموا ذلك، قلت رغبتهم في تربية الأولاد؛ فيلزم خراب العالم، وامتناع الآباء من البرِّ أيضاً كذلك.
الرابع: أنَّ قتل الأولادِ، إن كان لخوفِ الفقر، فهو سوء الظنِّ بالله تعالى، وإن كان لأجل الغيرة على البناتِ فهو سعيٌ في تخريب العالم، فالأوَّل ضدُّ التعظيم لأمر الله تعالى، والثاني ضدُّ الشفقةِ على خلق الله، وكلاهما مذمومان.
الخامس: أنَّ قرابة الأولاد قرابةُ الجزئيَّة والبعضيَّة، وهي من أعظم الموجبات للمحبَّة، فلو لم تحصل المحبَّة دلَّ ذلك على غلظٍ شديد في الرُّوح، وقسوة في القلب، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة، فرغَّب الله في الإحسان إلى الأولاد؛ إزالة لهذه الخصلة الذميمة.
فصل
قرأ العامة «تَقْتلُوا» بالتخفيف، وقرأ ابن وثاب والأعمش «تُقتِّلُوا» بالتشديد و «خِشْيَة» بكسر الخاء.
قال المفسِّرون: إنَّ العرب كانوا يقتلون البنات؛ لعجز البنات عن الكسب، وقدرة البنين عليه؛ بسبب إقدامهم على النَّهب والغارة، وأيضاً: كانوا يخافون أن ينفر الأكفاء عنها، وعن الرغبة فيها، فيحتاجون إلى إنكاحها من غير الأكفاء، وفي ذلك عارٌ شديدٌ.
واعلم أن قوله تعالى:{وَلَا تقتلوا أَوْلادَكُمْ} عامٌّ في الذكور والإناث، أي: أنَّ الموجب للشَّفقة والرحمة هو كونه ولداً، وهذا الوصف يشترك فيه الذكور والإناث، وأما ما يخاف من الفقر في البنات، فقد يخاف أيضاً في العاجز من البنين، ثم قال تعالى:{نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} أي أنَّ الأرزاق بيد الله، فكما يفتحُ أبواب الرِّزق على الرِّجال، فكذلك يفتح أبواب الرزق على النِّساء.