واعلم أنَّ الأصل في القتل هو التحريم، والحلُّ إنما ثبت بسببٍ عارضٍ؛ فذلك نهى عن القتل بناء على حكم الأصل، ثم استثنى منه الحالة التي يباح فيها القتل، وهو عند حصول الأسباب العرضيَّة، فقال:{إِلَاّ بالحق} ويدل على أنَّ الأصل في القتل التحريم وجوهٌ:
أحدها: أن القتل ضررٌ، والأصل في المضارِّ الحرمة، قال - صلوات الله وسلم عليه -: «لا ضَررَ، ولا ضِرارَ» .
وخامسها: إذا تعارض دليل تحريم القتل، ودليل إباحته، فالإجماع على أنَّ جانب الحرمة راجح، ولولا أنَّ مقتضى الأصل هو التحريمُ، وإلَاّ لكان ذلك ترجيحاً لا لمرجحٍ، وهو محالٌ.
وإذا علم أنَّ الأصل في القتل هو التحريم، فقوله:«ولا تَقْتلُوا» نهيٌ وتحريمٌ. وقوله:«حَرَّمَ الله» إعادة لذكر التحريم على سبيل التاكيد، ثم استثنى عنه الأسباب العرضيَّة، فقال: إلَاّ بالحقِّ، وها هنا طريقان:
الطريق الأول: أن قوله «إلَاّ بالحقِّ» مجمل ليس فيه بيان أن ذلك الحقَّ ما هو، ثم قال تعالى:{وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} أي: في حقِّ استيفاء القصاص؛ فوجب أن يكون المراد من الحقِّ هذه الصورة فقط، فتكون الآية نصًّا صريحاً في تحريم القتل، إلا بهذا السبب الواحد.
الطريق الثاني: أن نقول: دلَّت السنة على أنَّ ذلك الحقَّ هو أحد الأمور الثلاثة المتقدَّمة في الخبر.
واعلم أن الخبر من باب الآحادِ، فإن قلنا: إنَّ قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} بيان لذلك الحقِّ، كانت الآية صريحة في أنه لا يحلُّ القتل إلَاّ بهذا السبب الواحد، وحينئذٍ: يصير الخبر مخصِّصاً للآية، ويصير فرعاً لقولنا بصحَّة تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، وإن قلنا بأن قوله تعالى:{وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} ليس بياناً لذلك الحقِّ، فحينئذ يصير الخبر مفسِّراً للحقِّ المذكور في الآية، وعلى هذا لا يصير فرعاً على جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، وهو تنبيهٌ حسنٌ.