للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والبحث الثاني: ذكر كونه مظلوماً بصيغة التنكير، والتنكير يدلُّ على الكمالِ، فما لم يكن المقتول كاملاً في وصف المظلوميَّة لم يدخل تحت هذا النصِّ، فالمسلمُ إذا قتل الذميَّ، لم يدخل تحت هذه الآية؛ لأنَّ الذميَّ مشركٌ، والمشرك يحلُّ دمه.

ويدلُّ على أن الذمِّي مشركٌ قوله تعالى: {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً} [النساء: ١١٦] .

حكم بأنَّ ما سوى الشِّرك يغفر في حقِّ البعض، فلو كان كفر اليهوديِّ والنصرانيِّ مغايراص للشِّرك، وجب أن يغفر في حقِّ بعض الناس لهذه الآية، فلما لم يغفر في حقِّ أحد، دلَّ على أنّ كفرهم شركٌ، ولأنه تعالى قال: {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣] فهذا التثليثُ الذي قال به هؤلاء: إمَّا أن يكون تثليثاً في الصفات، وهو باطلٌ؛ لأنَّ ذلك هو الحق، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، فلا يمكنُ جعله سبباص للكفر، وإمَّا أن يكون تثليثاً في الذَّوات، وذلك هو الشرك، فثبت أن الذميَّ مشركٌ، والمشرك يجب قتله؛ لقوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ المشركين} [التوبة: ٣٦] فاقتضى هذا الدليل إباحة دمِ الذميِّ، فإن لم تثبت الإباحة، فلا أقلَّ من حصول شبهة الإباحة.

وإذا ثبت هذا، ثبت أنه ليس كاملاً في المظلوميَّة، فلم يندرج تحت قوله: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} .

وأما الحرُّ، إذا قتل عبداً، فيدخل تحت هذا، إلَاّ أنَّا بيَّنا أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد} [البقرة: ١٧٨] يدلُّ على المنع من قتل الحرِّ بالعبد، وتلك الآية أخص من قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} والخاصُّ مقدَّم على العام؛ فثبت أن هذه الآية لا يجوز التمسُّك بها في مسألة أنَّ موج بالعمد هو القصاص، ولا في وجوب قتل المسلم بالذميِّ، ولا في وجوب قتل الحرِّ بالعبد.

فصل في المراد بالإسراف

في معنى الإسراف وجوهٌ:

الأول: أن يقتل القاتل وغير القاتل، وذلك أنَّ أولياء المقتول كانوا إذا قتل واحدٌ من قبيلة شريفةٍ، قتلوا خلقاً من القبيلة الدنيئة، فنهى الله عنه وحكم بقتل القاتل وحده.

الثاني: أنَّ الإسراف هو ألا يرضى بقتل القاتل؛ فإنَّ أهل الجاهلية كانوا يقصدون أشرف القبائل، ثمَّ يقتلون منه قوماً معيَّنين، ويتركون القاتل.

والثالث: الإسرافُ هو ألَاّ يكتفي بقتل القاتل، بل يقتله ثم يمثِّل به، ويقطع أعضاءه.

قال القفَّال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يبعد حمله على الكلِّ، لأنَّ جملة هذه المعاني مشتركة في كونها إسرافاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>