كان مستحسناً، فما فائدة في ترجيح هذا النظم؟
قلنا: إنما قدمت قصة الأمر بالذبح على ذلك القتل؛ لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة، ولو كانت قصة واحدة لذهب الغرض من تثنية التفريع.
فصيل في نسبة القتل إلى جميعهم
«فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا» فعل وفاعل، والفاء للسببية؛ لأن التَّدَارُؤَ كان مسبباً عن القتل، ونَسَبض القتل إلى الجميع، وإن لم يصدر إلا من واحد أو اثنين كما قيل؛ لأنه وُجِد فيهم وهو مجاز شائع.
وأصل «ادّارأتم» : تدارأتم تَفَاعلتم من الدَّرْء هو الدّفع، فاجتمعت «التاء» مع «الدال» وهي مُقارِبتها، فأريد الإدغام فقلبت التاء دالاً، وسكنت لأجل الإدغام، ولا يمكن الابتداء بساكن، فاجتلبت همزة الوصل ليبتدأ بها فبقي «ادارأتم» ، والأصل ادْدَارأتم فأدغم، وهذا مطرد في كل فعل على «تفاعل» أو «تفعّل» فاؤه دال نحو: «تَدَايَنَ وادَّايَنَ، وتَدَيَّنَ وأدِّيَنَ» أو طاء، أو ظاء، أو صاداً، أو ضاداً نحو: «تطاير واطَّايَر» وتطير واطّير [وتظاهر واظَّاهر، وتطهر واطَّهَّر، والمصدر على التفاعل أو التفعّل نحو: تَدَارُؤ وتَطَهُّر] نظراً إلى الأصل.
وهذا أصل نافع في جميع الأبواب.
معنى: «ادرأتم» : اختلفتم واختصمتم في شأنها.
وقيل: [تدافعتم] أي كل واحد ينفي القتل عن نفسه ويضيفه إلى غيره.
والكناية في قوله: «فيها» للنفس.
وقال القفال: ويحتمل إلى القتلة؛ لأن قوله: «قتلتم» يدل على المصدر.
قوله: «والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» الله رفع بالابتداء و «مخرج» خبره، و «ما» موصولة منصوبة المحل باسم الفاعل.
فإن قيل: اسم الفاعل لا يعمل بمعنى الماضي إلا محلّى بالألف واللام،
فالجواب: أن هذه حكاية حال ماضية، واسم الفاعل فيها غير ماض وهذا كقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} [الكهف: ١٨] .
والكسائي يُعْمِله مطلقاً، ويستدل بهذا ونحوه. و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية، فلا بد من عائد، تقديره: مخرج الذي كنتم تكتمونه، ويجوز أن تكون مصدرية، والمصدر واقع موضع المفعول به، أي: مخرج مكتومكم وهذه الجملة لا محلّ لها من الاعراب؛ لأنها معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه وهما: «فَادَّارَأْتُمْ» وقوله: «فَقُلْنَا: اضْرِبُوهُ» قاله الزمخشري.