الأديان والملل، ولا تقبل النَّسخ والإبطال، فكانت محكمة وحكمة من هذه الاعتبارات.
الثالث: أنَّ الحكمة عبارةٌ عن معرفة الحقِّ لذاته، والخير لأجلِ العمل به؛ فالأمر بالتوحيد عبارة عن القسم الأوَّل، وسائر التكاليف عبارة عن تعلُّم الخيرات؛ لأجل العمل بها.
روي عن ابن عباسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أنَّ هذه التكاليف المذكورة كانت في ألواح موسى - صلوات الله عليه - أولها «لا تَجْعلْ مع الله إلهاً آخر» .
أحدها: أن يكون حالاً من عائد الموصول المحذوف، تقديره: من الذي أوحاه حاك كونه من الحكمة، أو حال من نفس الموصول.
الثاني: أنه متعلق ب «أوْحَى» ، و «مِنْ» إمَّا تبعيضيةٌ؛ لأنَّ ذلك بعض الحكمة، وإمَّا للابتداء، وإما للبيان.
وحينئذٍ تتعلق بمحذوفٍ.
الثالث: أنها مع مجرورها بدل من «ممَّا أوْحَى» .
فصل
ذكر في الآية أنَّ المشرك يكون مذموماً مخذولاً.
وذكر ها هنا أنَّ المشرك يلقى في جهنَّم ملوماً مدحوراً، فاللَّوم والخذلان يحصل في الدنيا، وإلقاؤهُ في جهنَّم يحصل يوم القيامة، والفرقُ بين الملوم والمدحُور، وبين المذموم والمخذول: أنَّ معنى كونه مذموماً: أن يذكر له أنَّ الفعل الذي أقدم عليه قبيحٌ ومنكرٌ، وإذا ذكر له ذلك، فعند ذلك يقال له: لم فعلت هذا الفعل؟ وما الذي حملك عليه؟ وما استفدت من هذا العمل، إلَاّ إلحاق الضَّرر بنفسك؟ وهذا هو اللَّوم.
وأما الفرق بين المخذول وبين المدحور، فهو أنَّ المخذول هو الضعيف، يقال: تخاذلت أعضاؤه، أي: ضعفت، والمدحور هو المطرود، والطَّرد عبارة عن الاستخفاف والإهانة، فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته، وتفويضه إلى نفسه، وكونه مدحوراً عبارةٌ عن إهانته، فيصير أوَّل الأمر مخذولاً وآخره يصير مدحوراً.