فالجواب: أن الفائدة فيه لتكون الحُجّة أوكد، وعن الحيلة أبعد، فقد يجوز في العقل للملحد أن يوهمهم أن موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ إنما أحياه بضرب من السِّحر أو من الحيلة، فلما حيي بالضرب بقطعة من البقرة المذبوحة فانتفت الشبّهة.
فإن قيل: هلا أمر بذبح غير البقرة؟
فالجواب: أن الكلام في غيرها لو أمروا به كالكلام فيها.
ثم ذكروا فيها فوائد:
أحدهما: التقريب بِالقَرَابِيْن التي كانت العادة بها جارية، ولأن هذا القُرْبَان كان عندهم أعظم القرابين، ولما فيه من مزيد الثواب لتحمل الكُلْفة في تحصيل هذه البقرة.
قيل: على غلاء ثمنها، ولما فيه من حصول المال العظيم لمالك البقرة.
قوله: «كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى» «كذلك» في محلّ نصب؛ لأنه نعت لمصدر محذوف تقديره: يحيي الله الموتى إحياء مثل ذلك الإحياء، فيتعلّق بمحذوف، أي: إحياء كائناً كذلك الإحياء، أو لأنه حال من المصدر المعروف، أي: ويريكم الإراءة حال كمونها مُشَبِهَةً ذلك الإحياء، وقد تقدم أنه مذهب سيبويه.
و «الموتى» جمع مَيِّت، وفي هذه الإشارة وجهان:
أحدهما: أنها إشارة إلى نفس ذلك الميت.
والثاني: أنها احتجاج على صحّة الإعادة. قال الأصم: إنه على المشركين؛ لأنه إن ظهر لهم بالتَّوَاتر [أن هذا الإحياء قد كان على هذه الوجه علموا صحّة الإعادة، وإنن لم يظهر ذلك بالتواتر] ، فإنه داعية إلى التفكُّر.
وقال القَفّال: ظاهره يدلّ على أن الله تعالى قال هذا لبني إسرائيل أي: إحياء الله الموتى يكون مثل هذا الذي شاهدتم؛ لأنهم وإن كانوا مؤمنين بذلك إلَاّ أنهم لم يؤمنوا به إلَاّ من طريق الاستدلال، ولم يشاهدوا شيئاً منه، فإذا شاهدوه اطمأنت قلوبهم، وانتفت عنهم الشّبهة، فأحيا الله القتيلَ عياناً، ثم قال لهمك كذلك يحيي الله المَوْتَى، أي: كما أحياها في الدُّنيا يحييها في الآخرة من غير احتياج إلى مادّة ومثال وآلة التي لا يخلو منها المستدل.
قوله: «وَيُريكُمْ آيَاتِهِ» الرؤيا هنا بَصَرية، فالهمزة للتعدية أكسبت الفعل مفعولاً ثانياً وهو «آياته» ، والمعنى: يجعلكم مُبْصرين آياته.
و «كم» هو المفعول الأول، وأصل «يريكم» : يُأَرْإيكم، فحذفت همزة «أفعل» في المضارعة لما تقدم في {يُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٣] وبابه، [فبقي يُرْئيكم] ، فنقلبت حركة الهمزة على «الراء» ، وحذفت «الهمزة» تخفيفاً، وهو نقل لازم في مادة «رأى» وبابه دون