ويقال: أصفاهُ بالشَّيء، إذا آثرهُ به، ويقال للضِّياعِ التي يستخصُّها السلطان لخاصَّته الصَّوافِي.
قال أبو عبيدة - رحنه الله - في قوله تعالى:{أَفَأَصْفَاكُمْ} : أفخصّكم وقال المفضل: أخلصكم.
قال النحويون: هذه الهمزة همزة تدلُّ على الإنكار على صيغة السؤال عن مذهبٍ ظاهر الفساد، لا جواب لصاحبه، إلَاّ بما فيه أعظمُ الفضيحةِ.
واعلم أنَّه تعالى، لما نبَّه على فساد طريقة من أثبت لله شريكاً، أتبعه بفسادِ طريقة من أثبت الولد لله تعالى، ثم نبه على كمال جهل هذه الفرقة وهو أنَّ الولد على قسمين، فأشرف القسمين: البنون، وأخسُّها: البنات، ثمَّ إنَّهم أثبتوا البنين لأنفسهم، مع علمهم بنهاية عجزهم، وأثبتوا البنات لله تعالى مع علمهم بأنَّ الله تعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له، وذلك يدلُّ على نهاية جهل القائلين بهذا القول؛ ونظيره قوله تعالى:{أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون}[الطور: ٣٩] وقوله جلَّ ذكرهُ: {وَلَهُ الأنثى}[النجم: ٢١] .
ومعنى الآية أنه اختاركم، فجعل لكم الصَّفوة، ولنفسه ما ليس بصفوة، يعني اختاركم {بالبنين واتخذ مِنَ الملاائكة إِنَاثاً} ؛ لأنَّهم كانوا يقولون: إنَّ الملائكة بنات الله تعالى.
قوله تعالى:«واتَّخَذَ» يجوز أن تكون المتعدية لاثنين، فقال أبو البقاء:«إنَّ ثانيهما محذوف، أي: أولاداً، والمفعول الأوَّلُ هو إناثاً» وهذا ليس بشيءٍ، بل المفعول الثاني هو «مِنَ المَلائكةِ» قدِّم على الأوَّل، ولولا ذلك لزم أن يبتدأ بالنَّكرةِ من غير مسوغٍ؛ لأنَّ ما صلح أن يكون مبتدأ صلح أن يكون مفعولاً أوَّل في هذا الباب، وما لا، فلا، ويجوز أن تكون متعدية لواحدٍ، كقوله:{وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَداً}[البقرة: ١١٦] ، و «مِنَ الملائكة» متعلق ب «اتَّخذ» أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من النَّكرة بعده.
ثم قال تعالى:{إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً} وهذا خطابٌ لمشركي «مَكَّة» وبيان كون هذا القول عظيماً: أنَّ إثبات الولد يقتضي كونه تعالى مركَّباً من الأجزاء والأبعاض، وذلك يقدح في كونه قديماً واجب الوجوب لذاته، وذلك عظيم من القول، وأيضاً: فبتقدير ثبوت الولد، فقد جعلوا أشرف القسمين لأنفسهم، وأخسَّ القسمين لله تعالى، وهذا جهلٌ عظيمٌ.