وفي النحل:{أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ}[النحل: ١٠٨] .
وفي الجاثية:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ}[الجاثية: ٢٣] .
فكان الله تعالى يحجبه ببركات هذه الآيات، عن عيون المشركين، فكانوا يمرُّون به، ولا يرونه.
قوله تعالى:{مَّسْتُوراً} أنَّ الله تعالى يخلق حجاباً في عيونهم يمنعهم ذلك الحجاب عن رؤية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو شيء لا يرى، فكان مستوراً من هذا الوجه.
واحتجُّوا بهذه الآية على أنَّه يجوز أن تكون الحاسَّة سليمة، ويكون المرثيُّ حاضراً، مع أنَّه لا يراه الإنسان؛ لنَّ الله تعالى يخلق في عينه مانعاً يمنعه عن رؤيته، قالوا: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان حاضراً، وكانت حواس الكفَّار سليمة، ثمَّ إنهم كانوا لا يرونه، وأخبر الله تعالى أن ذلك إنما كان لأجل أن جعل بينه وبينهم حجاباً مستوراً، ولا معنى للحجاب المستور إلَاّ ما يخلقه الله في عيونهم بمنعهم من رؤيتهز
وقيل: مستور على النسب، أي: ذو سترٍ، كقولهم: مكانٌ مهولٌ، وجارية مغنوجة، أي: ذو هولٍ، وذات غنج، ولا يقال فيهما: هلت المكان، ولا غنجت الجارية.
وقيل: وكذلك قولهم: رجُلٌ مرطوبٌ: أي ذو رطوبةٍ، ولا يقال: رطبة، هو وصف على جهة المبالغة؛ كقولهم:«شعرٌ شاعرٌ» ورد هذا: بأنَّ ذلك إنَّما يكون في اسم الفاعل، ومن لفظ الأول.
وقال الأخفش وآخرون: المستورُ ها هنا بمعنى السَّاتر والمفعول قد يرد بمعنى الفاعل؛ كقولهم: مشئوم وميمون بمعنى: شائم ويامن، وهذا كما جاء اسم الفاعل بمعنى مفعول كماءٍ دافقٍ.
القول الثاني: أنَّ الحجاب هو الطَّبع الذي على قلوبهم والطبع المنع الذي منعهم عن أن يدركوا لطائف القرآن ومحاسنه وفوائده، فالمراد من الحجاب المستورِ ذلك الطبع الذي خلقه في قلوبهم.
ثم قال تعالى:{وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْراً} وهذه الآية مذكورة بعيناه في سورة الأنعام.
قوله:«وحدهُ» فيه وجهان:
أحدهما: أنه منصوب على الحال، وإن كان معرفة لفظاً، لأنه في قوة النكرة غذ هو ف يمعنى منفرداً، وهل هو مصدر، أو اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فوحده وضِعَ مَوْضِعَ إيحَادٍ، وإيحادٌ وضعَ مَوْضِعَ موحدٍ. وهو مذهب سيبويه، أو هو مصدر على حذف الزوائد، إذ يقال: أوْحدهُ يُوحِدهُ إيحَاداً، أو هو مصدر بنفسه ل «وَحَد» ثُلاثِياً «.