أحدها: أنه حال، فيتعلق بمحذوف.
قال الزمخشري: «وبه في موضع الحالِ، كما تقول: يستمعون بالهزءِ، أي: هازئين» .
الثاني: أنها بمعنى اللامِ، أي: بما يستمعون له.
الثالث: أنها على بابها، أي: يستمعون بقلوبهم أو بظاهر أسماعهم، قالهما أبو البقاء.
الرابع: قال الحوفيُّ: «لم يقلْ يستمعونه، ولا يستمعونك؛ لمَّا كان الغرضُ ليس الإخبار عن الاستماعِ فقط، وكان مضمَّناً أنَّ الاستماع كان على طريق الهزء بأن يقولوا: مجنونٌ أو مسحورٌ، جاء الاستماع بالباء وإلى، ليعلم أنَّ الاستماع ليس المراد به تفهُّم المسموعِ دون هذا المقصد» فعلى هذا ايضاً تتعلَّق الباء ب «يَسْتمِعُونَ» .
قوله تعالى: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه معمولٌ ل «أعْلَمُ» . قال الزمخشري: «إذ يستمعون نصب ب» أعْلَمُ «أي: أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون، وبما يتناجون؛ إذ هم ذوو نجوى» .
والثاني: أنه منصوبٌ ب «يَسْتمِعُونَ» الأولى.
قال ابن عطيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «والعامل في» إذ «الأولى، وفي المعطوف» يَسْتمِعُونَ «الأولى» .
وقال الحوفيُّ: و «إذ» الأولى تتعلق ب «يَسْتمِعُونَ» وكذا «وإذْ هُمْ نجْوَى» لأن المعنى: نحن أعلم بالذي يستمعون إليك، وإلى قراءتك وكلامك، إنما يستمعون لسقطك، وتتبُّع عيبك، والتماسِ ما يطعنون به عليك، يعني في زعمهم؛ ولهذا ذكر تعديتهُ بالباء و «إلى» . قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: «نَجْوَى» يجوز أن يكون مصدراً، فيكون من إطلاق المصدر على العين مبالغة، أو على حذف مضاف، أي: ذوو نجوى، كما قاله الزمخشري، ويجوز أن يكون جمع نجيِّ، كقتيلٍ وقتلى، قاله أبو البقاء.
قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ} بدل من «إذ» الأولى في أحد القولين، والقول لآخر: أنَّها معمولة ل «اذْكُرْ» مقدَّراً.
قوله تعالى: «مَسْحُوراً» الظاهر أنَّه اسم مفعول من «السِّحرِ» بكسر السين، أي: مخبول العقل، أو مخدوعه، وقال أبو عبيدة: معناه أنَّ له سَحْراً، أي: رئة بمعنى أنه لا يستغني عن الطَّعام والشَّراب، فهو بشرٌ مثلكم، وتقول العرب للجبان: «قد انتفخَ سَحرهُ» بفتح السين، ولكلِّ من أكل وشرب: مسحورٌ، ومسحرٌ، فمن الأول قول امرئ القيس: [الوافر]
٣٤٢٦ - أرَانَا مُوضَعِينَ لأمْرِ غَيْبٍ ... ونُسْحِرُ بالطَّعامِ وبالشَّرابِ
أي: نُغذَّى ونُعَلَّلُ، ومن الثاني قول لبيدٍ: [الطويل]