٣٤٣١ - ونَغَضتْ مِنْ هَرمٍ أسْنانُهَا ... ثم قال تعالى:{وَيَقُولُونَ متى هُوَ} ، أي: البعث والقيامة، وهذا سؤالٌ فاسدٌ؛ لأنَّهم منعوا الحشر والنشر كما تقدَّم؛ ثمَّ بين تعالى بالبرهان القاطع كونه ممكناً في نفسه، فقولهم «مَتَى هُوَ» كلام لا يتعلق بالبعث؛ فإنَّه لما ثبت بالدليل العقليِّ كونه ممكن الوجود في نفسه، وجب الاعتراف بإمكانه، فإنه متى يوجد، فذاك لا يمكن إثباته بالعقل، بل إنما يمكن إثباته بالدَّليل السمعي، فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعيَّن، عرف، وإلا فلا سبيل إلى معرفته.
وقد بين الله تبارك وتعالى في القرآن؛ أنَّه لا يطلع أحداً من الخلق على وقته المعيَّن، فقال جلَّ ذكره:{إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة}[لقمان: ٣٤] وقال: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}[الأعراف: ١٨٧] وقال تعالى: {إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا}[طه: ١٥] فلا جرم قال تعالى: {عسى أَن يَكُونَ قَرِيباً} .
قال المفسِّرون:«عَسَى» من الله واجبٌ، معناه: أنه قريبٌ، فإن قيل: كيف يكون قريباً، وقد انقرض سبعمائة سنة، ولم يظهر.
فالجواب: قال ابن الخطيب: إن كان معنى: «أكثر مَّا بَقِيَ» كان الباقي قليلاً، ويحتمل أن يريد بالقرب أن إتيان السَّاعة متناهٍ، وكل ما كان متناهياً من الزَّمان فهو قليلٌ، بل أقلُّ من القليل بالنسبة إلى الزَّمان الذي بعده؛ لأنَّه غير متناهٍ؛ كنسبة العدد المتناهي إلى العدد المطلقِ؛ فإنَّه لا ينسب إليه بجزءٍ من الأجزاء، ولو قلَّ.
ويقال في المثل «كل آت قريب» .
قوله تعالى:{عسى أَن يَكُونَ} يجوز أن تكون الناقصة، واسمها مستتر فيها يعود على البعث والحشر المدلول عليهما بقوَّة الكلام، أو لتضمُّنه في قوله «مَبُْعُوثُونَ» و «أنْ يَكُونَ» خبرها، ويجوز أن تكون التامة مسندة إلى «أنّ» وما في حيزها، واسم «يكون» ضمير البعث؛ كما تقدَّم.