الثاني: أنَّ العرب تقول لكلِّ طعام ضارٍّ: إنَّه ملعونٌ.
الثالث: أنَّ اللَّعن في اللغة: هو الإبعاد، فلما ك انت هذه الشجرةُ مبعدة عن صفات الخير، سمِّيت ملعونة.
وقال ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: الشجرة الملعونةُ في القرآن: بنو أميَّة، يعني: الحكم بن أبي العاص، قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في المنامِ أنَّ ولد مروان يتداولون منبرهُ، فقصَّ رؤياه على أبي بكرٍ وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - في خلوة من مجلسه، فلمَّا تفرَّقُوا، سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الحكم يخبر برؤيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فاشتدَّ ذلك على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واتَّهم عمر في إفشاء سرِّه، ثم ظهر لهُ أنَّ الحكم كان يستمعُ إليهم، فنفاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
قال الواحديُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه القصَّة كانت في المدينة، والسورة [مكية] ، فيبعد هذا التفسير، إلَاّ أن يقال: هذه الآية مدنية، ولم يقل به أح\ٌ، ويؤكِّد هذا التَّأويل قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - لمروان: لعن الله أباك، وأنت في صلبه، فأنت بعض من لعنة الله.
وقيل: الشجرة الملعونة في القرآن هم اليهود؛ لقوله تعالى:{لُعِنَ الذين كَفَرُواْ}[المائدة: ٧٨] .
وقيل: الشَّجرة الملعونة هي الَّتي تلتوي على الشَّجر، فتخنقه، يعني «الكشوث» .
فإن قيل: إنَّ القوم طلبوا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الإتيان بالمعجزاتِ القاهرة، فأجاب بأنَّه لا مصلحة في إظهارها؛ لأنَّها لو ظهرت، ولم يؤمنوا، نزل عليهم عذاب الاستئصال، وذلك غير جائزٍ، فأيُّ تعلقٍ لهذا الكلام بذكرِ الرؤيا التي صارت فتنة للنَّاس وبذكر الشجرة [التي صارت فتنة للنَّاس] .
فالجواب: أنَّ التقدير كأنَّه قيل: إنَّهم لما طلبوا هذه المعجزات، ثم إنَّك لم تظهرها، صار عدم ظهورها شبهة لهم في أنَّك لست بصادق في دعوى النبوَّة، إلَاّ أنَّ وقوع هذه الشبهة لا يضيق صدرك، ولا يوهنُ أمرك، ولا يصير سبباً لضعف حالك؛ ألا ترى أنَّ تلك الرؤيا صارت سبباً لوقوع الشبهة العظيمة عندهم، ثم إنَّ قوة تلك الشبهات ما أوجبت ضعفاً في أمرك، فكذلك هذه الشبهة الحاصلة بسبب عدم ظهور هذه المعجزات لا يوجبُ فتوراً في حالك، ولا ضعفاً في أمرك.