قال القفال: ويمكن تأويل الآية من غير تقييد بسبب يضاف إلى نزولها فيه؛ لأنَّ من المعلوم أنَّ المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - بأقصى ما يقدرون عليه، فتارة كانوا يقولون: إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك، فأنزل الله تعالى:
وعرضوا عليه الأموال الكثيرة، والنِّسوان الجميلة؛ ليترك غدِّعاء النبوة، فأنزل الله - تعالى -: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ}[طه: ١٣١] .
ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}[الأنعام: ٥٢] .
ودعوه إلى طرد الذين يدعون ربَّهم، فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب، وذلك أنَّهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه، وأن يزيلوه عن منهجه، فبيَّن الله - تعالى - أنَّه يثبته على الدِّين القويمِ، والمنهج المستقيم، وعلى هذا الطريق، فلا حاجة في تفسير هذه الآيات إلى شيءٍ من تلك الرِّوايات.
قوله تعالى:{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} : «إنْ» هذه فيها لمذهبان المشهوران: مذهب البصريين: أنها مخففة، واللام فارقة بينها وبين طإن «النافية، ولهذا دخلت على فعلٍ ناسخٍ، ومذهب الكوفيين أنها بمعنى» ما «النافية، واللام بمعنى» إلَاّ «وضمِّن» يَفْتِنُونَكَ «معنى» يَصْرفُونكَ «فلهذا عدِّي ب» عَنْ «تقديره: ليصرفونك بفتتنتهم، و» لِتَفْترِي «متعلق بالفتنة.
قوله:{وَإِذاً لَاّتَّخَذُوكَ} » إذَنْ «حرف جواب وجزاء؛ ولهذا تقع أداةُ الشرط موقعها، و» لاتَّخذُوكَ «جواب قسمٍ محذوفٍ، تقديره: إذن، والله لاتخذوك، وهو مستقبل في المعنى؛ لأنَّ» إذَنْ «تقتضي الاستقبال؛ إذ معناها المجازاة، وهو كقوله:{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ}[الروم: ٥١] أي: ليظلنَّ، وقول الزمخشريِّ:» أي: ولو اتَّبعتَ مرادهم، لاتَّخذوكَ «تفسير معنى، لا إعرابٍ، لا يريد بذلك أنَّ» لاتَّخَذُوك «جوابٌ ل» لو «محذوفة؛ إذ لا حاجة إليه.
فصل في معنى الآية
قال الزجاج: معنى الكلام: كادوا يفتنونك، ودخلت» إنْ «و» اللام «للتأكيد، و» إنْ «مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.