احتجَّ أهلُ السنة على أنه لا عصمة من المعاصي إلَاّ بتوفيقِ الله تعالى؛ بقوله تعالى:{وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ} الآية، فبيَّن أنَّه لولا تثبيت الله تعالى له، لمال إلى طريقةِ الكفَّار، ولا شكَّ أنَّ محمَّداً - صلوات الله وسلامه عليه - كان أقوى من غيره في قوة الدِّين، وصفاء القلب واليقين، فلما بيَّن الله تعالى له أنَّ بقاءهُ معصوماً عن الكفر والضلال، لم يحصل إلَاّ بإعانة الله تعالى وتوفيقه، كان حصول هذا المعنى في حقِّ غيره أولى.
قالت المعتزلة: المراد بهذا التَّثبيتِ: الألطاف الصَّارفة عن ذلك، وهي ما أخطر الله بباله من ذكر وعده ووعيده، ومن ذكر أنَّ كونه نبيًّا من عند الله يمنع من ذلك.
والجواب: لا شكَّ أنَّ التثبيت عبارة عن فعل فعلهُ الله تعالى، يمنع الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - من ذلك الوقوع في ذلك المحذور، فنقول: لم يوجد المقتضي للإقدام على ذلك العمل المحذور في حقِّ الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ملا كان لإيجاد هذا المنع حاجةٌ، وحيث وقعت الحاجة إلى تحصيل هذا المانع علمنا أنَّ ذلك المقتضي قد حصل في حقِّ الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - وأنَّ هذا المانع الذي فعله الله تعالى لمنع ذلك المقتضي من العمل، وهذا لا يتمُّ إلَاّ إذا قلنا: إنَّ القدرة مع الدَّاعي توجب الفعل، فإذا حصلت داعية أخرى معارضةٌ للداعي الأوَّل، اختلَّ المؤثِّر، فامتنع الفعل، ونحن لا نريدُ إلَاّ إثبات هذا المعنى.