امتدَّت الصلاة بسبب ترتيل القراءة، وتكثيرها، زالت الظلمة، وظهر الضوء، وحضرت ملائكةُ النهار، وأمَّا إذا ابتدأ بهذه الصلاة في وقت التَّنوير، فهناك لم يبق أحدٌ من ملائكة الليل؛ فلا يحصل المعنى المذكور، فقوله جلَّ ذكره:{كَانَ مَشْهُوداً} . يدلُّ على أنَّ التغليس أفضلُ.
قوله تعالى:{وَمِنَ الليل} : في «مِنْ» هذه وجهان:
أحدهما: أنها متعلقة ب «تَهجَّد» أي: تهجَّد بالقرآن بعض الليل.
والثاني: أنها متعلقة بمحذوفٍ، تقديره: وقم قومة من الليل، أو: واسهر من الليل، ذكرهما الحوفيُّ، وقال الزمخشريُّ:«وعليك بعض الليل، فتهجَّد به» فإن كان أراد تفسير المعنى، فقريبٌ، وإن أراد تفسير الإعراب، فلا يصحُّ؛ لأنَّ المغرى به لا يكون حرفاً، وعله «مِنْ» بمعنى «بعضٍ» لا يقتضي اسميَّتها؛ بدليل أنَّ واو «مََ» ليست اسماً بإجماع، وإن كانت بمعنى اسمٍ صريحٍ وهو «مَعَ» .
والضمير في «به» :
الظاهر: عوده على القرآن؛ من حيث هو، لا بقيد إضافته إلى الفجر.
والثاني: أنها تعود على الوقت المقدر، أي: وقُم وقتاً من الليل، فتهجَّد بذلك الوقت، فتكونُ الباء بمعنى «في» .
قوله «نَافِلةً» فيها أوجه:
أحدها: أنها مصدرٌ، أي: تنفَّل نافلة لك على الصَّلوات المفروضة.
والثاني: أنها منصوبة ب «تهجَّد» لأنه في معنى «تنفَّل» فكأنه قيل: تنفَّل نافلة، والنَّافلةُ، مصدر؛ كالعاقبة، والعافية.
الثالث: أنها منصوبة على الحال، أي: صلاة نافلةٍ، قاله أبو البقاء، وتكون حالاً من الهاء في «به» إذا جعلتها عائدة على القرآن، لا على وقتٍ مقدر.
الرابع: أنها منصوبة على المفعول بها، وهو ظاهر قولِ الحوفيِّ، فإنه قال:«ويجوز أن ينتصب» نَافلةً «بتهجَّد، إذا ذهبت بذلك إلى معنى: صلِّ به نافلة، أي: صلِّ نافلة لك» .
والتهَجُّدُ: ترك الهجود، وهو النُّومُ، «وتفَعَّل» يأتي للسَّلب، نحو: تحرَّج، وتأثَّم، وفي الحديث:«كَان يتحَنَّثُ بغارِ حراءٍ» وفي الهجود خلافٌ بين أهل اللغة، فقيل: هو النَّومُ؛ قال:[الطويل]