مدخل، واخرج مخرج، وقد تقدَّم هذا مستوفًى في قراءةِ نافع في سورة النساء [الآية: ٣١] ، وأنه قرأ كذلك في سورة الحجِّ [الآية: ٥٩] .
و «مُدخلَ صِدقٍ» ، و «مُخرجَ صِدقٍ» من إضافة التبيين، وعند الكوفيين من إضافة الموصوف لصفته؛ لأنه يوصف به مبالغة.
و «سلطاناً» هو المفعول الأول للجعلِ، والثاني أحدُ الجارَّين المتقدمين، والآخر متعلِّقٌ باستقراره، وقوله «نَصِيراً» يجوز أن يكون محولاً من «فاعلٍ» للمبالغة، وأن يكون بمعنى مفعول.
فصل في معنى «مُدخَلَ صِدقٍ» و «مُخْرَجَ صِدْقٍ»
قد تقدَّم في قوله:{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض}[الإسراء: ٧٦] قولان:
أحدهما: أن يكون المراد منه سعي كفَّار مكَّة في إخراجه منها.
والثاني: المراد منه اليهود؛ قالوا له: الأولى أن تخرج من المدينة إلى الشَّام، ثم قال:«أقم الصَّلاة» واشتغل بعبادة الله تعالى، ولا تلتفت إلى هؤلاء الجهَّال، فإنَّ الله تعالى يعينك، ثمَّ عاد بعد هذا الكلام إلى شرح تلك الواقعة من أن كفَّار مكَّة أرادوا إخراجه، فأراد الله تعالى هجرته إلى المدينة، وقال له:{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} ، وهو المدينة، {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} ، وهو مكَّة، وهذا قول ابن عبَّاس، والحسن، وقتادة.
وعلى التفسير الثاني، وهو أنَّ المراد منها أن اليهود حملوه على الخروج من المدينة والذَّهاب إلى الشَّام، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ثمَّ أمر بأن يرجع إليها، فلمَّا عاد إلى المدينة، قال:«ربِّ أدخلْنِي مُدخلَ صدقٍ» وهي المدينة، «وأخْرِجنِي مُخرجَ صِدقٍ» يعني: إلى مكة؛ [بالفتح] ، أي: افتحها.
وقال الضحاك:«أدْخلنِي مُدخلَ صِدْقٍ» ظاهراً على مكة بالفتح «وأخْرِدنِي مُخرجَ صِدْقٍ» من مكة، آمناً من المشركين.
وقال مجاهد: أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة، والقيام بمهمات أداء شريعتك، «وأخْرِجْنِي» من الدنيا، وقد قمت بما وجب عليَّ من حقِّها «مُخرجَ صِدقٍ» أي: إخراجاً لا يبقى عليَّ منها تبعةٌ.