فإنَّ الأصل: لأن كنت، فحذفت «كَانَ» ، فانفصل الضمير، إلا أنَّ هنا عوِّض من «كَانَ»«ما» ، وفي [ «لَوْ» ] لم يعوَّض منها.
الثالث: أنَّ «أنتم» توكيدٌ لاسم «كانَ» المقدر معها، والأصل «لَوْ كُنتمْ أنْتُم تَمْلكُونَ» فحذفت «كَانَ» واسمها، وبقي المؤكِّدُ، وهو قول ابن فضالٍ المجاشعيِّ، وفيه نظرٌ؛ من حيث إنَّا نحذف ما في التَّوكيد، وإن كان سيبويه يجيزه.
وإنما أحوج هذين القائلين إلى ذلك: كون مذهب البصريِّين في «لَوْ» أنَّه لا يليها إلَاّ الفعل ظاهراً، ولا يجوز عندهم أن يليها مضمراً مفسَّراً إلَاّ في ضرورة، أو ندور، كقوله:«لَو ذَات سوارٍ لطَمتْنِي» ، فإن قيل: هذان الوجهان أيضاً فيهما إذمار فعلٍ، قيل: ليس هو الإضمار المعنيَّ؛ فإنَّ الإضمار الذي أبوه هو على شريطة التفسير في غير «كان» ، وأمَّا «كان» فقد كثر حذفها بعد [ «لو» ] في مواضع كثيرة، وقد وقع الاسم الصَّريحُ بعد «لَوْ» غير مذكور بعده فعلٌ؛ وأنشد الفارسيُّ:[الرمل]
إلا أنه أخرجه على أنه مرفوع بفعل مقدَّر يفسِّره الوصف من قوله «شَرِقٌ» ، وقد تقدَّم الكلام في «لَوْ» . قال أهل المعاني: إنَّ التقديم بالذكر يدل على التَّخصيص، فقوله:{لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} دليل على أنَّهم هم المختصُّون بهذه الحالة الخسيسة، والشُّحْ الكامل.
واعلم أنَّ خزائن رحمة الله غير متناهية؛ فكان المعنى أنكم لو ملكتم من النِّعم خزائن لا نهاية لها، لتقيمنَّ على الشحِّ، وهذه مبالغة عظيمة في وصفهم بهذه الصفة.
قوله:«لأمْسَكْتُمْ» يجوز أن يكون لازماً؛ لتضمنه معنى «بخِلتمْ» وأن يكون متعدِّياً، ومفعوله محذوف، أي: لأمسكتم المال، ويجوز أن يكون كقوله {يُحْيِي وَيُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨] .
قوله:{خَشْيَةَ الإنفاق} فيه وجهان:
أظهرهما: أنه مفعول من أجله.
والثاني: أنه مصدر في موضع الحال، قاله أبو البقاء، أي: خاشين الإنفاق، وفيه نظر؛ إذ لا يقع المصدر المعرفة موقع الحال، إلا سماعاً؛ نحو:«جَهْدكَ» و «طَاقَتكَ» ، وكقوله: