وقيل: فَسلْ، يا رسول الله، المُؤمنَ من بني إسرائيل؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات؛ ليزدادوا يقيناً وطمأنينة؛ كقوله:{وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: ٢٦٠][ثم قال:] فإن قيل بم تعلق «إذْ جَاءهُمْ» ؟ فالجواب:
أمَّا على الوجه الأول: فبالقول المحذوف، [أي] : فقلنا له، سلهم حين جاءهم، أو ب «سَالَ» في القراءة الثانية، وأمَّا على الآخر فب «آتَيْنَا» أو بإضمار «اذكر» أو ب «يُخْبرونَكَ» ومعنى «إذْ جَاءهُمْ»«إذ جاء آباءهم» ، انتهى.
قال أبو حيان:«لا يتأتَّى تعلقه ب» اذْكُر «ولا ب» يُخْبرُونَكَ «؛ لأنه ظرف ماضٍ» .
قال شهاب الدين: إذا جعله معمولاً ل «اذْكُر» ، أو ل «يُخْبرُونكَ» لم يجعله ظرفاً، بل مفعولاً به، كما تقرَّر مراراً.
الوجه الخامس: أنه مفعول به، والعامل فيه «فَسلْ» .
قال أبو البقاء:«فيه وجهان:
أحدهما: هو مفعول به ب» اسْألْ «على المعنى إذ التقدير: اذكر لبني إسرائيل؛ إذ جاءهم، وقيل: التقدير: اذكر إذا جاءهم وهي غير» اذكُر «الذي قدَّرت به» اسْأل «» ، يعني: أن «اذكر» المقدرة غير «اذكُر» التي فسَّرت «اسألْ» بها؛ وهذا يؤيِّد ما تقدَّم من أنهم، إذا قدروا «اذكُر» جعلوا «إدْ» مفعولاً به، لا ظرفاً.
إلا أنَّ أبا البقاء ذكر [حال] كونه ظرفاً، ما يقتضي أن يعمل فيه فعلٌ مستقبل، فقال:«والثاني: أن يكون ظرفاً، وفي العامل وجوه:
أحدها:» آتيْنا «.
والثاني:» قلنا «مضمرة.
والثالث: [» قُل «] ، تقديره: قل لخصمك: سل؛ والمراد به فرعون، أي: قل، يا موسى، وكان الوجه أن يقال: إذ جئتهم بالفتح، فخرج من الخطاب، إلى الغيبة» .
فظاهر الوجه الثالث: أن العامل فيه «قُلْ» وهو ظرف ماض، على أنَّ هذا المعنى الذي نحا إليه ليس بشيء؛ إذ يرجع إلى: يا موسى، قل لفرعون: يا فرعون سل بني إسرائيل، فيعود فرعون هو السائل لبني إسرائيل، وليس المراد ذلك قطعاً، وعلى التقدير الذي تقدم عن الزمخشري - وهو أن المعنى: يا موسى، سل بني إسرائيل، [أي: اطلبهم من فرعون - يكون المفعول الأول للسؤال محذوفاً، والثاني هو «بني إسْرائيلَ» ] ، والتقدير: سَلْ فرعون بني إسرائيل، وعلى هذا: فيجوز أن تكون المسألة من التنازع، وأعمل الثاني؛ إذ التقدير: سل فرعون، فقال فرعون، فأعمل الثاني، فرفع به الفاعل، وحذف المفعول من الأول، وهو المختار من المذهبين.