الثالثة: اليهود، [حيث] قالوا: العزير ابنُ الله.
واعلم أنَّ إثبات الولد لله كفرٌ عظيمٌ، وتقدَّم الكلام على ذلك في سورة الأنعام في قوله: {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٠] وسيأتي تمامه - إن شاء الله تعالى - في سورة مريم؛ لأنَّه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد من وجهين:
الأول: قوله: {مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لآبَائِهِمْ} .
فإن قيل: اتخاذ الله تعالى الولد محالٌ في نفسه، فكيف قيل: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: ٢٠] ؟ .
فالجوابُ أنَّ انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه؛ وقد يكون لأنَّه في نفسه محالٌ، لا يمكن تعلق العلم به، ونظيره قوله: {وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: ١١٧] .
فصل
تمسَّك نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا: دلَّت هذه الآية على أن القول في الدِّين بغير علمٍ باطل، والقول بالقياس الظنيِّ قول في الدِّين بغير علم، فيكون باطلاً.
وجوابه تقدم عند قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] .
وقوله: {وَلَا لآبَائِهِمْ} أي أحداً من أسلافهم، وهذه مبالغة في كون تلك المقالة فاسدة باطلاة جدًّا.
قوله: {مَّا لَهُمْ بِهِ} : أي: بالولد، أو باتخاذه، أو بالقول المدلول عليه ب «اتَّخَذَ» وب «قَالُوا» ، وبالله.
وهذه الجملة المنفية فيها ثلاثة أوجه:
أظهرها: أناه مستأنفة، سيقت للإخبار بذلك.
والثاني: أنها صفة للولد، قاله المهدويُّ، وردَّه ابن عطية: بأنه لا يصفه بذلك إلَاّ القائلون، وهم لم يقصدوا وصفه بذلك.
الثالث: أنها حالٌ من فاعل «قالوا» ، أي: قالوه جاهلين.
و «مِنْ عِلم» يجوز أن يكون فاعلاً، وأن يكون مبتدأ، والجارُّ هو الرافع لاعتماده أو الخبر، و «مِنْ» مزيدة على كلا القولين.
قوله: «كَبُرتْ كلمة» في فاعل «كَبُرتْ» وجهان:
أحدهما: أنه مضمرٌ عائد على مقالتهم المفهومة من قوله: {قَالُواْ اتخذ الله} أي: كبر مقالهم، و «كلمة» نصب على التمييز، ومعنى الكلام على التعجُّب، أي: ما أكبرها