قوله:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} قيل: كان الزَّرع في وسط الأعناب، وقيل: كان الزَّرْع بين الجنَّتين، أي: لم يكن بين الجنتين موضعٌ خالٍ.
والمقصود منه أمورق:
الأول: أن تكون تلك الأرض جامعة للأقوات والفواكه.
والثاني: أن تكون متَّسعة الأطراف، متباعدة الأكناف، ومع ذلك، لم يتوسَّطها ما يقطع بعضها عن بعض.
والثالث: أنَّ مثل هذه الأرض تأتي كلَّ [يوم] بمنفعةٍ أخرى، وثمرة أخرى فكانت منافعها دارّة متواصفة.
قوله:{كِلْتَا الجنتين} : قد تقدَّم في السورة قبلها [الإسراء: ٢٣] حكم «كلتا» وهي مبتدأ، و «آتتْ» خبرها، وجاء هنا على [الكثير: وهو] مراعاةُ لفظها، دون معناها.
وقرأ عبد الله - وكذلك في مصحفه - «كِلا الجنَّتَيْنِ» بالتذكير؛ لأنَّ التأنيث مجازي، ثم قرأ «آتتْ» بالتأنيث؛ اعتباراً بلفظ «الجَنَّتين» فهو نظير «طَلعَ الشَّمسُ، وأشْرقَتْ» . وروى الفراء عنه قراءة أخرى:«كُلُّ الجنَّتينِ أتَى أكُلَهُ» أعاد الضمير على اللفظ «أكل» .
واعلم أنَّ لفظ «كل» اسمٌ مفردٌ معرفة يؤكَّد به مذكَّران معرفتان، و «كِلْتَا» اسمٌ مفردٌ معرفة يؤكَّد به مؤنثان معرفتان، وإذا أضيفا إلى المظهر كانا بالألف في الأحوال الثلاثة؛ كقولك:«جَاءنِي كِلَا أخَويْكَ، ورَأيْتُ كِلَا أخَويْكَ، ومَررْتُ بِكلا أخَويْكَ، وجَاءنِي كِلْتَا أخْتَيْكَ، ورأيْتُ كِلْتَا أخْتَيْكَ، ومَرَرْتُ بِكلْتَا أخْتيْكَ» ، وإذا أضيفا إلى المضمر، كانا في الرَّفع بالألف، وفي الجر والنَّصب بالياءِ، وبعضهم يقول مع المضمر بالألف في الأحوال الثلاثة أيضاً.
فصل
ومعنى {آتَتْ أُكُلَهَا} أعطت كلُّ واحدةٍ من الجنتين {أُكُلَهَا} ثمرها تامًّا، {وَلَمْ تَظْلِمِ} لم تنقص، {مِّنْهُ شَيْئاً} والظُّلم: النقصان، يقول الرَّجُل: ظلمنِي حقِّي، أي: نقصنِي.
قوله:«وفجَّرنَا» العامة على التشديد، وإنما كان كذلك، وهو نهرٌ واحدٌ مبالغة فيه، وقرأ يعقوب، وعيسى بن عمر بالتخفيف، وهي قراءة الأعمش في سورة القمر [القمر: ١٢] ، والتشديد هناك أظهر لقوله «عُيُوناً» .