وقرأ زيد بن عليٍّ، وأبو حيوة، وعمرو بن عبيد، ويعقوب «الحقَّ» نصباً على المصدر المؤكِّد لمضمون الجملة؛ كقولك «هذَا قَوْلُ الله الحق» وهذا عبد الله الحقَّ، لا الباطل.
قوله:«عُقباً» قرأ عاصم وحمزة بسكون القاف، والباقون بضمِّها، فقيل: لغتان؛ كالقُدُسِ والقُدْس، وقيل: الأصل الضمَّ، والسكون تخفيف، وقيل بالعكس؛ كالعُسْر واليُسْر، وهو عكس معهود اللغة، ونصبها ونصب «ثَواباً» و {أَمَلاً}[الكهف: ٤٦] على التمييز لأفعل التفضيل قبلها، ونقل الزمخشريُّ أنه قرئ «عُقْبَى» بالألف، وهي مصدر أيضاً؛ كبُشْرَى، وتروى عن عاصم.
فصل في نظم الآية
اعلم أنَّه تعالى لمَّا ذكر من قصّة الرجلين ما ذكر علمنا أن النُّصرة والعاقبة المحمودة كانت للمؤمن على الكافر، وعرفنا أن الأمر هكذا يكون في حقِّ كل مؤمنٍ وكافرٍ، فقال:{هُنالِكَ الوَلايةُ للهِ الحَقِّ} أي: في مثل ذلك الوقت وفي مثل ذلك المقام، تكون الولاية لله يوالي أولياءه؛ فيعليهم على أعدائه، ويفوِّض أمر الكفار إليهم.
فقوله:«هُنالِكَ» إشارةٌ إلى الموضع، والوقت الذي يريد إظهار كرامة أوليائه، وإذلال أعدائه.
وقيل: المعنى في مثل تلك الحالة الشديدة يتولَّى الله، ويلتجئ إليه كلُّ محتاجٍ مضطرٍّ، يعني أن قوله:{ياليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} فكأنه ألجَ إليها ذلك الكافر، فقالها جزعاً ممَّا ساقهُ إليه شؤمُ كفره، ولولا ذلك، لم يقلها.
وقيل: المعنى: هنالك الولاية لله ينصرُ فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة، وينتقم لهم ويشفي صدورهم من [أعدائهم] ، يعني أنَّه تعالى نصر المؤمنين على الكفرة، وينتقم لهم ويشفي صدورهم من [أعدائهم] ، يعني أنَّه تعالى نصر المؤمن بما فعل [بأخيه الكافر و] بصدق قوله: {فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السمآء} .
ويعضده قوله:{هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً} أي: لأوليائه، وقيل:«هُنالِكَ» إشارةٌ إلى الدَّار الآخرةِ، أي: في تلك الدَّار الآخرة الولاية لله كقوله: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}[غافر: ١٦] .
وقوله:{هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً} أي: خيرٌ في الآخرة لمن آمن به، والتجأ إليه، {وَخَيْرٌ عُقْباً} أي: هو خيرٌ عاقبة لمن رجاهُ، وعمل لوجهه.