حذف «مسير» وأقيمت الياء مقامه، فانقلبت مرفوعة مستترة بعد أن كانت مخفوضة المحلِّ بارزة، وبقي «حتَّى أبلغ» على حاله هو الخبر.
وقد خلط الزمخشري هذين الوجهين، فجعلهما وجهاً واحداً، ولكن في عبارة حسنة جدًّا، فقال:«فإن قلت:» لا أبْرَحُ «إن كان بمعنى» لا أزولُ «من برح المكان، فقد دلَّ على الإقامةِ، لا على السَّفر، وإن كان بمعنى» لا أزَالُ «فلا بدَّ من خبر، قلت: هي بمعنى» لا أزَالُ «وقد حذف الخبر؛ لأنَّ الحال والكلام معاً يدلان عليه؛ أمَّا الحال، فلأنها كانت حال سفرٍ، وأمَّا الكلام، فلأن قوله» حتَّى أبلغ «غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له، فلا بدَّ أن يكون المعنى: لا أبرحُ أسير حتَّى أبلغَ، ووجه آخرُ: وهو أن يكون المعنى: لا يبرحُ مسيري، حتَّى أبلغ على أنَّ» حتَّى أبلغَ «هو الخبر، فلمَّا حذف المضافُ، أقيم المضافُ إليه مقامهُ، وهو ضمير المتكلِّم، فانقلب الفعل من ضمير الغائب إلى لفظ المتكلِّم، وهو وجهٌ لطيفٌ» .
قال شهاب الدين: وهذا على حسنه فيه نظرٌ لا يخفى، وهو: خلوُّ الجملة الواقعة خبراً عن «مسيري» في الأصل من رابطٍ يربطها به؛ ألا ترى أنه ليس في قوله «حتَّى أبلغ» ضمير يعود على «مسيري» إنما يعود على المضاف إليه المستتر، ومثل ذلك لا يكتفى به.
ويمكن أن يجاب عنه: بأن العائد محذوفٌ، تقديره: حتى أبلغ به، أي: بمسيري.
وإن كانت التامة، كان المعنى: لا أبرح ما أنا عليه، بمعنى: ألزمُ المسير والطَّلبَ، ولا أفارقه، ولا أتركه؛ حتَّى أبلغ؛ كما تقول: لا أبرح المكان، فعلى هذا: يحتاجُ أيضاً إلى حذف مفعول به، كما تقدَّم تقريره فالحذف لا بدَّ منه على تقديري التَّمامِ والنقصان [في أحد وجهي النقصان] .
وقرأ العامة «مجمع» بفتح الميم، وهو مكان الاجتماع، وقيل: مصدر، وقرأ الضحاك وعبد الله بن مسلم بن يسارٍ بكسرها، وهو شاذٌّ؛ لفتح عين مضارعة.
قوله:«حُقُباً» منصوبٌ على الظرف، وهو بمعنى الدَّهر. وقيل: ثمانون سنة، وقيل: سنةٌ واحدةٌ بلغة قريش، وقيل: سبعون، وقرأ الحسن:«حُقْباً» بإسكان القاف، فيجوز أن يكون تخفيفاً، وأن يكون لغة مستقلة، ويجمع على «أحقابٍ» كعنقٍ وأعناقٍ، وفي معناه: الحقبةُ بالكسر، قال امرؤُ القيس: