أي: ستجدني صابراً، وغير عاصٍ أو «لا» في محل رفع عطفاً على «سَتجدُنِي» .
الثالث: أنه في محلِّ نصب على «صَابِراً» كما تقدَّم تقريره.
فصل
دلَّ قوله:{وَلَا أَعْصِي لَكَ أمْراً} على أنَّ ظاهر الأمر للوجوب، وأن تارك المأمور به عاصٍ، والعاصي يستحقُّ العقاب؛ كقوله تعالى:{وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}[الجن: ٢٣] .
فصل
قوله الخضر لموسى:«وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً» نسبه إلى قلة العلم، فقول موسى: ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً تواضعٌ شديد، وإظهار للتَّحمل التَّام، وذلك يدلُّ على أنَّ الواجب على المتعلِّم إظهار التواضع بكلِّ الغايات، وأمَّا المعلم فإن رأى أنَّ في التغليظ على المتعلِّم ما يفيده نفعاً وإرشاداً إلى الخير، فالواجب عليه ذكره، فإنَّ السُّكوت عنه يوقع المتعلِّم في الغرور، وذلك يمنع من التعلُّم.
قوله:«فإن اتَّبْعتَنِي» أي صحبتني، ولم يقل: اتَّبعني، ولكن جعل الاختيار إليه، إلَاّ أنَّه شرط عليه شرطاً، فقال:«فلا تَسْالنِي» تقدَّم خلاف القرَّاء في هذا الحرفِ، في سورة «هود» .
وقرأ أبو جعفر وابن عامر - هنا - بفتح السِّين، واللام، وتشديد النون من غير همزٍ، وبغير ياءٍ، وروي عن ابن عامرٍ، ونافع كذلك مع الياء، والمعنى: لا تسألني: لا تستخبرني حين ترى منِّي ما لم تعلمْ وجههُ حتَّى أكون أنا المبتدئ بتعليمك إيَّاه، وإخبارك به، وهذا معنى قوله:{حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} أي: أبتدئ بذكره، فأبين لك شأنهُ.
قوله:{فانطلقا حتى إِذَا رَكِبَا فِي السفينة خَرَقَهَا} الآية.
اعلم أنَّ موسى - عليه السلام - وذلك العالم، لمَّا تشارطا على الشرط المذكور، سار فانتهيا إلى موضع، احتاجا فيه إلى ركوب السَّفينة، فوجدا سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر، [فحملوهم] من غير نول، فلما لجُّوا البحر، أقدم ذلك العالم على خرق السَّفينة.
قال ابن الخطيب: لعلَّه أقدم على إخراق مكانٍ في السفينة؛ لتصير السفينة بذلك السبب معيبة ظاهرة العيب، فلا يتسارع به إلى أهلها الغرق فعند ذلك قال له موسى:{أخَرقْتهَا لتُغْرِقَ أهْلهَا}[لمَّا رأى موسى - عليه السلام - ذلك الأمر المنكر بحسبِ الظَّاهر نسيَ الشرط المتقدم؛ فلهذا قال ما قال] .