وهذه معجزةٌ تامَّةٌ؛ لأنَّ هذه الزُّبَر الكثيرة، إذا نفخ عليها؛ حتَّى تصير كالنَّار، لم يقدر الحيوان على القرب منها، والنَّفخُ عليها لا يكون إلا بالقرب منها، فكأنَّه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النَّافخين عليها.
قيل: إنَّه وضع الحديد على الحطب، والحطب على الحديد؛ فصار الحطب في خلال الحديد، ثمَّ نفخُوا عليه؛ حتَّى صار ناراً، أفرغ عليه النُّحاس المذاب؛ فدخل في خلال الحديد مكان الحطب؛ لأنَّ النَّار أكلت الحطب؛ فصار النحاسُ مكان الحطب؛ حتَّى لزم الحديدُ النُّحاس.
قال قتادة: صار كالبُرد المحبَّر طريقة سوداء وطريقة حمراء.
فصل فيما بين السدين
قال الزمخشريُّ: قيل: بعد ما بين السَّدين مائة فرسخٍ.
وروي: عرضهُ كان خمسين ذراعاً، وارتفاعه مائتي ذراعٍ.
قوله:» قِطْراً «هو المتنازع فيه، وهذه الآية أشهر أمثلةِ النحاةِ في باب التنازع، وهي من إعمال الثاني؛ للحذف من الأول، والقِطرُ: النُّحاس، أو الرَّصاصُ المذاب؛ لأنه يقطر.
قوله
: {فَمَا
اسطاعوا
} : قرأ حمزة بتشديد الطاء، والباقون بتخفيفها، والوجه في الإدغام، كما قال أبو عليٍّ: «لمَّا لم يمكنْ إلقاء حركة [التَّاء] على السِّين؛ لئلَاّ يحرَّك ما لا يتحرَّك» - يعني: أنَّ سين «اسْتَفْعَلَ» لا تتحرَّك - أدغم مع السَّاكن، وإن لم يكن حرف لين، وقد قرأت القراء غير حرفٍ من هذا النحو؛ وقد أنشد سيبويه «ومَسْحي» يعني في قول الشاعر: [الرجز]
[يريد «ومَسْحِه» ] فأدغم الحاء في الهاء بعد أن قلب الهاء حاء، وهو عكس قاعدة الإدغام في المتقاربين، وهذه القراءة قد لحَّنها بعض النُّحاة، قال الزجاج:«من قرأ بذلك، فهو لاحِنٌ مخطئٌ» وقال أبو عليٍّ: «هي غيرُ جائزةٍ» .
وقرأ الأعشى، عن أبي بكر «اصْطاعُوا» بإبدال السِّين صاداً، والأعمش «استطاعوا» كالثانية.