والأقرب في نظم الكلام أنه راجعٌ إلى الكَسْب المأخوذ على وجه الكتابة والتحريف، وإن كان من حيث العموم أنه يشمل الكل.
فصل في الرد على المعتزلة
قال القاضي: دلت الآية على أن كتابتهم ليست خلقاً لله تعالى لأنها لو كانت خلقاً لله تعالى لكانت إضافتها إليه تعالى بقولهم: «هو من عند الله» حقيقة؛ لأنه تعالى إذا خلقها فيهم فَهَبْ أن العبد يكتسب إلا أن نسبة ذلك الفعل إلى الخالق أقوى من انتسابه إلى المكتسب، فكان إسناد تلك الكتابة إلى الله تعالى أولى من إسنادها إلى العَبْدِ، فكان يجب أن يستحقوا الحمد على قولهم فيها: إنها من عند الله، ولما لم يكن كذلك علمنا أن تلك الكتابة ليست مخلوقة لله تعالى.
والجواب: أنَّ الداعية الموجبة لها من خَلْق الله كما تقدم في مسألة الداعي.
فصل
يروى أن أَحْبار اليهود خافوا ذهاب كَلِمتهم ومآكلهم وزوال رِيَاستهم حين قدم رسول الله صلى لله عليه وسلم «المدينة» فاحْتَالوا في تَعْويق اليهود عن الإيمان، فعمدوا إلى صفة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في التوراة فغيّروها، وكان صفته فيها حَسَن الوجه، حَسَن الشعر، أَكْحَل العينين رَبْعة القامة فغيّروها وكتبوا مكانها طويلاً أَزْرق سَبْطَ الشعر، فإذا سألهم سَفَلتهم عن محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قرءوا ما كتبوه عليهم، فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه.
وقال أبو مَالِكٍ: نزلت هذه الآية في الكاتب الذي كان يكتب لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيغير ما يملي عليه.
روى الثعلبي بإسناده عن أنس أن رجلاً كان يكتب للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكان قد قرأ «البقرة» و «آل عمران» وكان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تلا «غفوراً رحيماً» فكتب «عليماً حكيماً» فيقول له النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «اكْتُبُ كَيْفَ شِئْتَ» قال: فارتد ذلك الرجل عن الإسلام، ولحق بالمشركين فقال: أنا أعلمكم بمحمد إنِّي كنت أكتب ما شئت، فمات ذلك الرجل فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«إنَّ الأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ» قلا: فأخبرني أبو طَلْحَة: أنه أتى الأرض التي مات فيها، فوجده منبوذاً.