فلم يعمل «لَمْ» وأبقى نون الرَّفع. و «من البشر» حالٌ من «أحَداً» لأنه لو تأخَّر، لكان وصفاً، وقال أبو البقاء:«أو مفعول» يعني متعلِّق بنفس الفعل قبله.
قوله تعالى:«فَقُولِي» بين هذا الجواب، وشرطه جملةٌ محذوفةٌ، تقديره: فإمَّا ترينَّ من البشر أحداً، فسألك الكلام، فقُولي، وبهذا المقدَّر نخلصُ من إشكالٍ: وهو أنَّ قولها «فَلَنْ أكَلِّمَ اليومَ إنسيًّا» كلامٌ؛ فيكون ذلك تناقضاً؛ لأنها قد كلَّمت إنسيًّا بهذا الكلامِ، وجوابه ما تقدَّم.
ولذلك قال بعضهم: إنَّها ما نذرتْ في الحال، بل صبرتْ؛ حتَّى أتاها القَوْمَ، فذكرت لهم:{إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} .
وقيل: المرادُ بقوله «فقٌولي» إلى لآخره، أنه بالإشارة، وليس بشيء؛ بل المعنى: فلن أكلِّم اليوم إنسيًّا بعد هذا الكلامِ.
وقرأ زيدُ بن عليٍّ «صِيَاماً» بدل «صوماً» وهما مصدران.
فصل في معنى صوماً
معنى قوله تعالى:«صَوْماً» : أي صمتاً، وكذلك كان يقرأ ابن مسعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -، والصَّوم في اللُّغة، الإمْسَاك عن الطَّعام والكلام.
قال السديُّ: كان في بني إسرائيل من إذا أراد أن يجتهد، صام عن الكلام، كما يصوم عن الطَّعام، فلا يتكلَّم حتَّى يُمْسِيَ.
قيل: كانت تُكَلِّمُ الملائكة، ولا تكلِّم الإنْسَ.
قيل: أمرها الله تعالى بنذر الصَّمْت؛ لئلَاّ تشرع مه من اتَّهَمَهَا في الكلام؛ لمعنيين:
أحدهما: أن كلام عيسى - صلوات الله عليه - أقوى في إزالةِ التُّهمَة من كلامهما، وفيه دلالةٌ على أنَّ تفويض [الأمر] إلى الأفضلِ أولى.