للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تدوُمُ، وهي اللغةُ الغاليةُ، ودمتَ تدامُ؛ كخِفْتَ تخَافُ، وتقدم نظيرُ هذا في مَاتَ يَمُوتُ ومَاتَ يَمَاتُ.

قوله تعالى: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} : العامَّةُ على فتح الباء، وفيه تأويلان:

أحدهما: أنه منصوبٌ نسقاً على «مباركاً» أي: وجعلني برَّا.

والثاني: أنَّه منصوبٌ بإضمارِ فعلٍ، واختير هذا على الأوَّلِ؛ لأنَّ فيه فصلاُ كثيراً بجملةِ الوصيَّةِ ومتعلَّقها.

قال الزمخشريُّ: جعل ذاتهُ برَّا؛ لفَرْط برِّه، ونصبه بفعل في معنى «أوْصَانِي» وهو «كَلَّفَنِي» لأنَّ أوْصَانِي بالصَّلاة، وكلَّفَنِي بها واحدٌ.

وقُرئ «برَّا» بكسر الباء: إمَّا على حذفِ مضافٍ، وإمَّا على المبالغة في جعله نفس المصدر، وقد تقدَّم في البقرة: أنه يجوز أن يكون وصفاً على فعلِ، وحكى الزَّهْراوِيُّ، وأبو البقاء أنه قُرِئَ يكسر الباء، والراء، وتوجيهه: أنه نسقٌ على «الصَّلاة» أي: وأوصاني بالصَّلاة وبالزَّكَاة، وبالبرِّ، أو البرّ.

فصل فيما يشير إليه قوله «وبرَّا بوالدتي»

قوله: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} إشارةٌ إلى تنزيه أمِّه عن الزِّنا؛ إذ لو كانت زانيةٌ، لما كان الرسُول المعصومُ مأمُوراً بتعظيمها وبرِّها؛ لأنه تأكَّد حقَّها عليه؛ لتمحض إذ حقها لا والد له سواها.

قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} يدلُّ على أنَّ فعل العبد مخلوقٌ لله تعالى؛ لأنَّه لما أخبر أنه تعالى، جعله برًّا، وما جعله جبَّاراً، إنما يحسن لو أنَّ الله تعالى جعل غيره جبَّاراً، وجعله [غير] برٍّ بأمِّه؛ فإن الله تعالى، لو فعل ذلك بكلِّ أحدٍ، لم يكُن لعيسى مزيَّةً تخصيصٍ بذلك، ومعلومٌ أنه - صلواتُ الله عليه وسلامهُ - إنما ذكر ذلك في معرضِ التخصيصِ، ومعنى قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً} أي ما جعلني جبَّاراً متكبرِّاً، بل أنا خاضعٌ لأمِّي، متواضعٌ لها، ولو كنتُ جبَّاراً متكبِّراً، بل أنا خاضعٌ لأمِّي، متواضعٌ لها، ولو كنتُ جبَّاراً، كنتُ عاصياً شقياً.

قال بعضُ العلماء: لا تجد العاق إلا جباراً شقياً، وتلا: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} ولا تجد سيّئ الملكة إلا مختالاً فخُوراً، وقرأ: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ الله لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: ٣٦] .

قوله تعالى: {والسلام عَلَيَّ} : الألف واللام في «السَّلام» للعهدِ؛ لأنه قد تقدم لفظه في قوله - عزَّ وجلَّ -: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ} [الآية: ١٥] فهو كقوله:

{كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً

<<  <  ج: ص:  >  >>