والمتقدم على المحدثِ تقديماً بلا فصل يكونُ مُحْدَثاً، فقولُ الله محدثٌ.
قال ابنُ الخطيبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - واستدلالُ الفريقين ضعيفٌ.
أمَّا الأوَّل؛ فلأنَّه يقتضي أن يكون قوله «كُنْ» قديماً، وذلك باطلٌ بالاتِّفاق.
وأمَّا الاستدلالُ المعتزلة؛ فلأنَّه يقتضي أن يكون قولُ الله تعالى الذي هو مركَّبٌ من الحروف، والأصوات مُحْدَثاً؛ وذلك لا نزاع فيه، [لأن] المدَّعى قدمُه شيءٌ آخرُ.
فصل في أقوال الناس في قوله «كُنْ»
من النَّاس من أجْرَى الآيةَ على ظاهرها، وزعم أنَّه تعالى، إذا أحدث شيئاً، قال له: كُنْ، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّه إما أن يقُول له: كُنْ قبل حدوثه، أو حلب حُدُثه، فإن كان الأوَّل، كان خطاباً مع المعدُوم، وهو عبثٌ، وإن كان حال حدوثه، فقد وُجِدَ بالقُدْرَة، والإرادة، لا بقوله «كُنْ» ومن النَّاس من زعم أنَّ المراد من قوله: «كُنْ» هو التخليقُ والتكوينُ؛ لأنَّ القُدْرَة على الشَّيء غير، وتكوين الشيء غيرٌ فإنَّ الله تعالى قادرٌ في الأزل، وغير مُكَوِّن في الأول؛ ولأنَّه الآن قادرٌ على عالم سوى هذا العالم، وغير مكوِّن له، فالقادريَّة غير المكنونيَّة، والتكوينُ ليس هو نفس المكوَّن؛ لأنَّ المكوَّن إنما حدث؛ لأنَّ الله تعالى كونه، وأوجده، فلو كان التَّكوين نفس المكوَّن؛ لكان قولنا:«المُكَوَّن إنَّما وجد بتكوين الله» بمنزلةِ قولنا: «المُكَوَّنُ إنَّما وجد بنَفْسِه» وذلك محالٌ؛ فثبت أنَّ التكوين غير المُكَوَّن، فقوله «كُنْ» إشارةٌ إلى الصفة [المسمَّاة] بالتكوين.
وقال آخرون: قوله سبحانه وتعالى: «كُنْ» عبارةٌ عن نفاذ قُدرة الله تعالى ومشيئته في المُمْكِنَات؛ فإنَّ وقوعها بتلك القُدْرة والإرادة من غير امتناع واندفاع يجري مُجْرَى العَبْد المُطِيع المُنْقَاد لأوامر الله تعالى، فعبر الله تعالى عن ذلك المعنى بهذه العبرةِ على سبيلِ الاستعارة.
قوله:{وَإِنَّ الله} : قرأ ابن عامرٍ، والكوفيُّون «وإنَّ» بكسر «الهمزة» على الاستئناف، ويؤيِّدها قراءةُ أبيِّ «إن الله» بالكسر، دون واو، وقرأ الباقون بفتحها، وفيها أوجهٌ:
أحدها: أنها على حذف حرف الجرِّ متعلقاً بما بعده، والتقدير: وأنَّ الله ربِّي وربُّكم فاعبُدُوه؛ كقوله تعالى:{وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلَا تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً}[الجن: ١٨] والمعنى: لوحدانيَّته أطيعوه، وإليه ذهب الزمخشريُّ تابعاً للخيل وسيبويه - رحمة الله عليهم -.