قوله:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} : هذا لفظ أمرٍ، ومعناه: التعجُّب، وأصحُّ الأعاريب فيه، كما تقرَّر في علم النَّحو: أنَّ فاعله هو المجرور بالباءِ، والباءُ زائدة، وزيادتها لازمةٌ؛ إصلاحاً للفظ؛ لأنَّ «أفْعِلْ» أمراً لا يكون إلَاّ ضميراً مستتراً، ولا يجوز حذفُ الباءِ إلَاّ مع أنْ وأنَّ؛ كقوله:[الطويل]
أي: بأنْ تسربل، فالمجرورُ مرفوعُ المحلِّ، ولا ضمير في «أفْعِلْ» ولنا قولٌ ثانٍ: أن الفاعل مضمرٌ، والمراد به المتكلِّمُ؛ كأنَّ المتكلم يأمر نفسه بذلك، والمجرورُ بعده في محلِّ نصبٍ، ويعزى هذا للزَّجَّاجِ.
ولنا قولٌ ثالثٌ: أن الفاعل ضمير المصدرِ، والمجرور منصوبُ المحلِّ أيضاً، والتقدير: أحسن، يا حُسْنُ، بزيدٍ، ولشبه هذا الفاعل عند الجمهور بالفضلة لفظاً، جاز حذفه للدَّلالةِ عليه كهذه الآية، فإنَّ تقديره: وأبْصِرْ بهم، وفيه أبحاثٌ موضوعها كتبُ النَّحْو.
فصل في التعجب
قالوا: التعجُّب استعظام الشيء، مع الجهل؛ بسبب عظمه، ثم يجوز استعمالُ لفظ التعجُّب عند مجرَّد الاستعظام من غير خفاءِ السَّبب، أو من غير أن تكون العظمةُ سبب حصوله.
قال الفرَّاء: قال سفيانُ: قرأتُ عن شريحٍ: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخُرُونَ}[الصافات: ١٢] فقال: إنَّ الله لا يعجبُ من شيء، إنما يعجبُ من لا يعلم، قال: فذكرتُ ذلك لإبراهيم النخعيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فقال: إنَّ شريحاً شاعر يعجبه علمهن وعبد الله أعلمُ بذلك منه قرأها {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخُرُونَ} .
ومعناه: أنَّه صدر من الله تعالى فعلٌ، لو صدر مثله عن الخلق، لدلَّ على حصول التعجُّب في قلوبهم، وبهذا التأويل يضافُ المكرُ والاستهزاءُ إلى الله تعالى، وإذا عرفت هذا، فللتعجُّب صيغتان:
إحداهما: ما أفعلهُ، والثانيةُ أفعل به.
كقوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} والنحويُّون ذكروا له تأويلان:
الأول: قالوا: أكْرِمْ بزيدٍ، أصل «أكرم زيدٌ» أيك صار ذا كرمٍ، ك «أغَدَّ البَعِيرُ» أي: صار ذا غُدَّة، إلَاّ أنه خرج على لفظ الأمْر، ومعناه الخبرُ، كما أخرج على لفظ الأمر ما معناه الخبر، كما أخرج لفظ الخبر ما معناه الأمر؛ كقوله سبحانه وتعالى: