سلمنا أنَّ الغفران عبارة عن الإسقاط على الدوام، فلم لا يمكن حمله على مغفرة التائب، ومغفرة صاحب الصغيرة؟
وأيضاً لا نسلم أن قوله: «مَا دُونَ ذَلِكَ» يفيد العموم لصحة إدخال لفظ «كل» و «بعض» على البدل، [مثل أن] يقال: ويغفر كل ما دون ذلك، وهو يمنع العموم.
سلمنا أنه للعموم، ولكنا نخصصه بصاحب الصغيرة وصاحب الكبيرة بعد التوبة.
فالجواب: أما إذا حملنا المغفرة على التأخير، وجب أن يكون عقاب المشركين في الدنيا أكثر [من عقاب المؤمنين] ، وإلَاّ لم يكن في التفضيل فائدة، وليس كذلك لقوله تعالى: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ} [الزخرف: ٣٣] .
قوله: لم قلتم: إن قوله: «مَا دُونَ ذَلِكَ» يفيد العموم؟
قلنا: لأن قوله «ما» تفيد الإشَارَة إلى الماهية الموصوفة بأنها دون الشرك وهذه الماهيّة ما هية واحدة، وقد حكم قطعاً بأنه يغفرها، ففي كل صغيرة متحقق فيها هذه الماهية وجب تحقق الغفران.
الثالثة: قال يحيى بن معاذ: إلهي إذا كان توحيد ساعة يَهْدم كفر خسمين سنة فتوحيد خمسين سنة كيف لا يهدم معصية ساعة إلهي لما كان الكفر لا ينفع معه شيء من الطاعات كان مقتضى العَدْل أن الإيمان لا يضر معه شيء من المعاصي لعمومات الوعد وهي كثيرة ثم نقول: لما وقع التعارض فلا بد من الترجيح وهو معنا من وجوه:
أحدها: أن عمومات الوعد أكثر، والترجيح بكثرة الأدلة أمر معتبر في الشرع.
وثانيها: قوله تعالى: {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات} [هود: ١١٤] [يدلّ على أن الحسنة إنما كانت مذهبة للسيئة لكونها حسنة، فوجب أن تكون كل حسنة مذهبة لكل سيئة] ترك العمل به في حسنات الكُفَّار، [فإنها لا تذهب سيئاتهم] فيبقى معمولاً به في الباقي.
وثالثها: تضعف الحسنة، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: ٢٦١] ثم زاد فقال: «وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ» وفي جانب السَّيئة قال: {وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلَا يجزى إِلَاّ مِثْلَهَا} [الأنعام: ١٦٠] .
ورابعها: قال في آية الوعد: {خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ الله حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} [النساء: ١٢٢] .
ذكره للتأكيد ولم يقل في شيء من المواضع وعيد الله حقّاً.