على أن ذلك المنصب العالي إنما حَصَل لأنه تعالى اختاره له ابتداء لا أنه يستحقه على الله تعالى.
وقوله:» فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى «أي: إليك فيه نهاية الهيبة والجلالة كأنه قال: لَقَدْ جَاءَك أمْرٌ فتأهَّبْ له، واجعَلْ كلَّ عقلك وخاطرِك مصروفاً إليه.
ثم قال:» إنَّنِي أَنَا لَا إلَه إلَا أَنَأ فَأعْبُدْنِي «ولا تعبد غيري، وهذا يدل على أن علم الأصول مقدم على علم الفروع: لأن التوحيد من علم الأصول والعبادة من علم الفروع.
وأيضاً فالفاء في قوله:» فَاعْبُدْنِي «تدل على أن عبادته إنما لزمت لإلهِيَّتِهِ.
فصل
احتجُّوا بهذه الآية على أنه يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة من وجهين:
الأولك أنه تعالى بعد أن أمره بالتوحيد أمره بالعبادة، ولم يذكر كيفية العبادة فثبت أنه يجوز ورود المجمل منفكاً عن البيان.
الثاني: أنه قال:» أَقِم الصَّلَاةَ لِذِكْرِي «ولم يبين كيفية الصلاة.
قال القاضي: لا يمتنع أن موسى عليه السلام - قد عرف الصلاة إلى تعبُّدَ الله تعالى - بها شُعَيْباً - عليه السلام - وغيره من الأنبياء، فتوجه الخطاب إلى ذلك، ويحتمل أنه تعالى بيَّن له في الحال، وإن كان المنقول في القرآن لم يذكر فه إلا هذا القول.
وأجيب عن الأول: بأنه لا يتوجه في قوله تعالى: «فَاعْبُدْنِي» وأيضاً فحَمْلُ مثل هذا الخطاب العظيم على فائدة جديدة أولى من حمله على أمر معلوم، لأن موسى - عليه السلام - ما كان يشك في وجوب الصلاة التي جاء بها شعيب - عليه السلام -، فلو حملنا قوله:«وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي» على ذلك لم يحصل من هذا الخطاب العظيم فائدة زائدة، أما لو حملناه على صلاة أخرى لحصلت فائدة زائدة. وقوله: لعلَّ