والجواب فيه فوائد، الأولَى: حكمةُ هذا السؤال تنبيهُهُ وتَوْقيفُه على أنها عصا، حتى إذا قلبها حية عَلِمَ أنها معجزةٌ عظيمةٌ، وهذا على عادة العرب يقول الرجل لغيره: هَلْ تَعْرِف هَذَا؟ وهو لا يشك أنه يعرفه، ويريد أن ينضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه.
الثانية: أن يقرِّرُ عنده أنها خشبة حتى إذا قلبها ثعباناً لا يخافُها.
الثالثة: أنه تعالى لمَّا أراه الأنوار المتصاعدة من الشجرة إلى السماء، وأسْمَعَهُ كلام نفسه، ثم أورد عليه التكليف الشاق، وذكر له المعاد، وختم ذلك بالتهديد العظيم، فتحيَّر موسى - عليه السلام - ودُهِشَ، (فقيل له:» وَمَا تِلْكَ بِيَمِينكَ «، وتكلم معه بكلام البشر إزالةٌ لتلك الدهشة والحيرة) .
فصل هذا خطاب من الله مع موسى بلا واسطة، ولم يحصل ذلك لمحمد عليه السلام فيلزم أن يكون موسى أفضَل من محمد عليهما السلام.
فالجوابُ: أنَّه تعالى كما خاطبَ موسَى فقد خاطب محمداً في قوله:» فَأَوْحَى إلَى عِبْدِهِ مَا أَوْحَى «إلا أن الفرق أنَّ الذي ذكره مع محمد كان سراً لم يستأهل له أحداً من الخلق. وأيضاً إن كان موسى تكلم معه فأمةُ محمد يخاطبون الله تعالى في كل يوم مرات على ما قاله عليه السلام:» المُصَلَّى يُنَاجَي رَبَّهُ «والرَّبُ يتكلم مع آحاد أمة محمد يوم القيامة بالتسليم والتكريم لقوله: {سَلَامٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} قوله:» هِيَ عَصَايَ «هِيَ يعودُ على المستفهم عنه.