والسكنات فما لم يصر العبد مريداً له استحال أن يصير فاعلاً له، فهذه الإرادة صفة محدثة، ولا بد لها من فاعل، وفاعلها إن كان هو العبد افتقر في تحصيل تلك الإرادة إلى إرادة أخرى ولزم التسلسل بل لا بد من الانتهاء إلى إرادة يخلقها مدبر العالم ففي الحقيقة هو الميسر للأمور.
قوله:«واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي» ، وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره، فلطم فرعون لطمةً، وأخذ بلحيته، فقال فرعون لآسية امرأته: إن هذا عدوِّي وأراد أن يقتلهن فقالت آسية: إنه صبي لا يَعْقِل ولا يميز جَرِّبْه إن شئت، فجاء بطشتين في أحدهما جمر، والآخر جوهر، فوضعهما بين يدي موسى، فأراد أن يأخذ الجوهر، فأخذ جبريل عيله السلام يد موسى فوضعها على النار، فأخذ جمرة فوضعها في فيه، فاحترق لسانه، (وصارت عليه عقدة) .
وقيل: قرَّبا إليه ثمرةً وجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه.
[قالوا] : ولم تحترق اليد، لأنها آلة أخذ العصا.
وقيل: كان ذلك التعقد خلقة فسأل الله تعالى إزالته. واختلفوا في أنه لِمَ طلب حل العقدة؟ فقيل: لئلا يقع في خلل في أداء الوحي. وقيل: لئلا يستخف بكلامه فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه. وقيل: لإظهار المعجزة كما أن حبس لسان زكريا عن الكلام كان معجزاً في حقه، فكذا إطلاق لسان موسى - عليه السلام - معجز في حقه.
فصل
قال الحسن: إن تلك العقدة زالت بالكلية، لقوله تعالى: «قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ