واضطروا إلى تتبع النساء فخرجت أخته متعرفة خبره، فجاءت إليهم متنكرة فقالت:{هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ} أي على امرأة ترضعه؟ قالوا نعم: فجاءت الأم، فَقَِبِلَ ثديها، فذلك قوله:{فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} بلقائك.
قوله:{كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} . قرأ العامة «تَقَرَّ» بفتح التاء والقاف وقرأت فرقة: «تَقِرَّ» بكسر القاف، وقد تقدم في سورة مريم أنهما لغتان.
وقرأ جناح بن حبيش «تُقَرَّ» بضم التاء وفتح القاف على البناء للمفعول «عَيْنُها» رفعاً لما لم يسم فاعله.
فإن قيل:(لو قال) : كي لا تحزن وتقرَّ عينُها كان الكلام مفيداً لأنه لا يلزم من عدم حصول الحزن حصول السرور لها، فلما قال أولاً {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} كان قوله «وَلَا تَحزَن» فضلاً، لأنه متى حصل السرور وجب زوالُ الغمِّ لا محالة.
فالجواب: المراد تقرَّ عينُها بسبب وصولك إليها، ويزول عنها الحزن بسبب عدم وصول لبن غيرها إلى باطنك. قوله:{وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغم} ، وهذه المنّة الخامسة. قال ابن عباس: هو الرجل القبطي الذي قتله خطأ بأن (وكزه) حيث استغاثه الإسرائيلي إليه، فحصل له الغم من وجهين:
الأول: من عقاب الدنيا، وهو اقتصاص فرعون منه على ما حكى الله تعالى عنه {فَأَصْبَحَ فِي المدينة خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ}[القصص: ١٨] .
والثاني: من عقاب الله حيث قتله لا بأمر الله. فنجاه الله - تعالى - من الغمين، أما من فرعون فوفق له المهاجرة إلى مدين، وأما من عقاب الآخرة (فلأن الله تعالى