والثاني: أنَّ من عادة الجبابرة إذا غُلِّظ لهم في الوعظ أن يزدادوا عتواً وتكبُّراً.
والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر، فلهذا أمر الله تعالى بالرفق.
قوله:{لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} أي يتعظ ويخاف.
فصل
اختلفوا في ذلك القول اللين، فقال ابن عباس: لا تعنِّفا في قولكما.
وقال السُّدِّي وعكرمة: كَنَّياه، فقولا: يا أبا العباس. وقيل: يا أبا الوليد.
وقال مقاتل: القول الليِّن: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى}[النازعات: ١٨ - ١٩] ، وقولهما:{فقولاا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ}[طه: ٤٧] إلى قوله: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى}[طه: ٤٧] .
وقال السدي: القول اللِّين ان موسى اتاه ووعده على قبول الإيمان شباباً لا يهرم، ومُلْكاً لا ينزعُ منه إلا بالموت، وتبقى عليه لذة المطعم، والمشرب، والمنكح إلى حين موته، وإذا مات دخل الجنة. فأعجبه ذلك، وكان لا يقطع أمراً دون هامان، وكان غائباً، فلما قَدِم أخبره بالذي دعاه إليه موسى، قال: أردتُ أنْ أقبل مِنْه. فقال له هامان: كنت أرى عقلاً ورأياً، أنت ربٌّ تريد أن تكون مربوباً، وأنت تُعْبَدُ تريدُ أن تَعْبُدَ، فقلبه عن رأيه.
فصل
قال ابن الخطيب: هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله تعالى لما علم أنه لا يؤمن قط كان إيمانه ضداً لذلك العلم الذي يمتنع زواله، فيكون سبحانه عالماً بامتناع ذلك الإيمان، وإذا كان عالماً بذلك، فكيف أمر موسى بذلك الرفق، وكيف بالغ