وتجبراً، لقوله تعالى:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلَاّ رَبُّ السماوات والأرض}[الإسراء: ١٠٢] فيمن نصب التاء في «عَلِمْتَ» كان ذلك خطاباً لموسى - عليه السلام - مع فرعون، وذلك يدل على أن فرعون كان عالماً بذلك، وقوله:{وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}[النمل: ١٤] . ولأنه لو لم يكن عاقلاً لم يجز تكليفه، والعاقل بعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم، ويعلم أن من كان كذلك افتقر إلى مدبَِّر، وهذان العلمان الضروريان يستلزمان العلم بوجود المدبِّر، ولأن قول موسى - عليه السلام - {رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} يقتضي ذلك، لأن كلمة «الَّذِي» تقتضي وصف المعرفة بجملةٍ معلومةٍ عند المخاطب. وأيضاً فإن مُلْك فرعون لم يتجاوز القبطَ، ولم يبلغ الشام، ولما هرب موسى إلى مَدْيَنَ قال له شعيبٌ:{لَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين}[القصص: ٣١] ، فمع هذا يعتقد أنَّه إله العالم؟
وقال آخرون: إنَّه كانَ جاهلاً بربِّه.
واتفقوا على أنَّ العاقل لا يَجُوزُ أن يعتقد في نفسه أنه خالق هذه السموات والأرض والشمس والقمر، وأنه خالقُ نفسه، لأنه يعلم بالضرورة عجزه عنها، ويعلم بالضرورة أنها كانت موجودة قبله، فَحَصَلَ له العلم الضروري بأنه ليس موجداً لها ولا خالقاً لها.
واختلفوا في كيفية جَهْلِه بالله تعالى، فيحتمل أنه كان دهرياً نافياً للمدبِّر، ويحتمل أنه كان فلسفياً قائلاً بالعلة الموجبة، وبحتمل أنه كان من عبدة الكواكب، ويحتمل أنه كان من الحلوليَّة، وأما ادعاؤه الربوبية لنفسه فبمعنى أنه يجب عليهم طاعته والانقياد له.
فصل
قال هاهنا:{فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} ، وقال في سورة الشعراء: {وَمَا رَبُّ