للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تكون «أيْنَا» موصولة بمعنى (الذي) وينبت لأنها قد أضيفت وحذف صدر صلتها و «أَشَدُّ» خبر مبتدأ محذوف، والجملة من ذلك المبتدأ وهذا الخبر صلة ل «أَيّ» ، و «أَيُّ» وما في خبرها في محل نصب مفعولاً به كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن} [مريم: ٦٩] في أحد وجهيه كما تقدم. و «أَشَدُّ عذاباً» أي: أَنَّا عَلى إيمانُكم بهِ أو رَبّ موسى على تلاك الإيمان به، «وَأَبْقَى» أي: أَدْوَمْ.

فإن قيل: إنَّ فرعون مع قرب عهده بمشاهدة انقلاب العصا حيَّة عظيمة، وذكر أنها قصدت ابتلاع قصر فرعون، وآلَ الأمرُ إلى أنْ استغاثَ بموسى من شر ذلك الثعبان، فمع قرب عهده بذلك، وعجزه عن دفعه كيف يعقل أن يهدد السحرة، ويبالغ في وعيدهم إلى هذا الحد، ويستهزئ بموسى، ويقول: «أيّنا أَشَدُّ عذاباً» ؟

فالجواب: يجوز أن يقال: إنَّه كان في أشد الخوف في قلبه إلا أنَّه كان يظهر الجلادة والوقاحة تمشيةٌ لِنَامُوسِهِ، وترويجاً لأمره.

ومن استقرى أحوال أهل العالم علم أنَّ العاجز قد يفعل أمثال هذه الأشياء، ويدل على صحة ذلك أن كل عاقل يعلم بالضرورة أن عذابَ الله أشدُّ من عذاب البشر، ثم إنه أنكر ذلك.

وأيضاً: فقد كان عالماً بكذبه في قوله: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر} لأنه علم أنْ موسى ما خالطهم البتة، وما لقيهم، وكان يعرف من سحرته ويعرف أستاذ كل واحد من هو، وكيف حصَّلَ ذلك العلم، ثم إنه مع ذلك قال هذا الكلام، فثبت أن سبيله في ذلك ما ذكرناه، وقال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: كانوا في النهار سحرة، وفي آخره شهداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>