السبب فاعل المسبب، فمخلف الوعد هو الذي أوقع الشبهة، فإنه كان لمالكنا لنا.
فإن قيل: كيف يُعْقَل رجوع قريب من ستمائة ألف إنسان من العقلاء المكلفين عن الدين الحق دفعة واحدة إلى عبادة عجلٍ يُعْرَف فسادُها بالضرورة، ثم إن مثل هذا الجمع لما فارقوا الدين وأظهروا الكفر فكيف يعقل رجوعهم دفعة واحدة عن ذلك الدين بسبب رجوع موسى - عليه السلام - وحده إليهم؟
فالجواب: هذا غير ممتنع في حق البُلْهِ من الناس.
ثم إنَّ القوم فروا من العذر الحامل لهم على ذلك الفعل فقالوا {ولكنا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم} فمن قرأ بالتخفيف فالمعنى حملْنَا في أنفسنا ما كنا استعرضناه من القوم. ومن قرأ بالتشديد فقيل: إن موسى - عليه السلام - أمرهم باستعاره الحُلِيّ والخروج بها فكأنه ألزمهم ذلك. والمراد بالأوزار حُليّ قوم فرعون.
وقيل: جعلنا كالضامن لها أن نؤديها إلى حيث يأمرنا الله.
وقيل: إنَّ الله تعالى حَمَّلَهُم ذلك، أي: ألزمهم حكم المغنم.
قيل: أخذوها على وجه العارية ولم يردوها حين خرجوا من مصر استعاروها لعيدهم.
وقيل: إن الله تعالى لما أغرق فرعون نبذَ البحر حُليَّهم فأخذوها وكانت غنيمة، ولم تكن الغنيمة حلالاً لهم في ذلك الزمان، فسماها الله أوْزَاراً لذلك، لأنه يجب عليهم حفظها من غير فائدة فكانت أوزاراً.
وقيل: سميت أوزاراً لكثرتها وثقلها، والأوزار: الأثقال. وقيل المراد بالأوزار الآثام، والمعنى حُمِّلْنَا آثاماً، روي أن هارون - عليه - قال إنها نجسة فتطهروا منها، وقال السَّامِريّ إنَّ موسى احتبس عقوبة بالحُلِيّ. فيجوز أن