إلى إضلال القوم في العَجْل فقال:{بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} أي عرفت أن الذي أنتم عليه (ليس بحق) ، وقد كنت قبضتُ قبضةٌ من أثرك أيُّها الرسولُ أي: شيئاً من دينك، فنبذته أي: طرحته، فعند ذلك أعلمه موسى - عليه السلام - بما له من العذاب في الدُّنيا والآخرة، وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له: ما يقولُ الأميرُ في كذا، أو بماذا يأمرُ الأمير. وأما ادِّعاؤُه أنَّ موسى - عليه السلام - رسول مع جحده وكفره فعلى مذهب من حكى الله عنه قوله:{يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} وإن لم يؤمنوا بالإنزال.
قال ابن الخطيب: وهذا الذي ذكره أبو مسلم (ليس فيه إلَاّ أنَّه مخالف للمفسرين، ولكنه أقرب إلى التحقيق لوجوه:
أحدها: أن جبريل - عليه السلام - ليس معهوداً باسم الرسول، ولم يجز له فيما تقدم ذكر حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه، فإطلاق لفظ الرسول لإرادة جبريل كأنه تكليف بعلم الغيب.
وثانيها: أنه لا بد فيه من الإضمار وهو قبضة من أثر حافر دابة الرسول والإضمار خلاف الأصل.
وثالثها: أنه لا بد من التعسف في بيان أنَّ السامريّ كيف اختصَّ من بين جميع الناس برؤية جبريل ومعرفته، ثم كيف عرف أن تراب حافر دابته يؤثر هذا الأثر، والذي ذكروه من أن جبريل - عليه السلام - هو الذي ربَّاه فبعيد، لأن الاسمريِّ إن عرف أنه جبريل حال كمال عقله عرف قطعاً أنَّ موسى - عليه السلام - نبيٌّ صادقٌ، فكيف يحاول الإضلال، وإن كان ما عرفه حال البلوغ فأنَّى ينفعه كون جبريل - عليه السلام - (مربيّاً له) حال الطفولية في حصول تلك المعرفة.
ورابعها: أنه لو جاز إطلاع بعض الكفرة على ترابٍ هذا شأنه لكان لقائل أن