ورابعها: أن أيامَ الدنيا قد انقضت وأيام الآخرة مستقبلة، والذاهب وإن طالت مدته قليل بالقياس إلى الآتي وإن قصرت مدته، فكيف والأمر بالعكس. ولهذه الوجوه رجَّح الله تعالى قول مَنْ بالغ في التقليل فقال:{إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ يَوْماً} . وقيل: المراد منه اللبث في القبر، ويؤيده قوله تعالى:{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث}[الروم: ٥٥، ٥٦] .
(فأما من جوَّز الكذب على أهل القيامة فلا إشكال له في الآية) ، أما من لم يجوزه قال: إن الله تعالى لما أحْيَاهم في الفترة وعذَّبهم، ثم أماتهم ثم بعثهم يوم القيامة لم يعرفوا مقدار لبثهم في القبر كم كان؟ فخطر ببال بعضهم أنه في التقدير عشرة أيام.
وقال آخرون: إنه يوم واحد، فلمَّا وَقَعُوا في العذاب مرة أخرى استثقلوا زمانَ الموت الذي هو زمان الخلاص لِمَا نالهم من هول العذاب.
وقيل: المراد باللبث بين النفختين، وهو أربعون سنة، لأن العذاب يرفع عنهم بين النفختين، استقصروا مدة لبثهم لهول ما عاينوا. والأكثرون على أنَّ قوله:{إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ عَشْراً} أي عشرة أيام، فيكون قولُ مَنْ قال {إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ يَوْماً} أقل، وقال مقاتل:{إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ عَشْراً} أي ساعات، لقوله (تعالى: {كَأَنَّهُمْ) يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلَاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: ٤٦] وعلى هذا يكون اليوم أكثر.
ثم قال تعالى:{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} أي: يَتَشَاوَرُون {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أي: أوفاهم عقلاً وأعدَلُهم قولاً {إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ يَوْماً} قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من الأهوال يوم القيامة. قيل: نَسُوا مقدارَ لبثهم لشدة ما دهمهم. قوله:«إذْ يَقُولُ» منصوب ب «أَعْلَمُ» و «طريقةً» منصوب على التمييز.