قال الزمخشري: زعم بعضهم «فَغَوى» فَبَشَم من كثرة الأكل، وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفاً، فيقول في فَنِيَ، وبَقِيَ: فَنَا وَبَقَا، وهم بنو طيئ تفسير خبيث.
قال شهاب الدين: كأنه لم يطلع على أنه قرئ بكسر الواو، ولو اطلع عليها لردها، وقد فرَّ القائل بهذه المقالة من نسبة آدم - عليه السلام - إلى الغي.
فصل
تمسك بعضهم بقوله:{وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} في صدور الكبيرة عنه من وجهين:
أحدهما: أن العاصي اسم للذمِّ فلا يطلق إلا على صاحب الكبيرة، ولقوله تعالى:{وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ}[الجن: ٢٣] ولا معنى لصاحب الكبيرة إلا من فَعَل فِعْلاً يُعَاقَبُ عليه.
الثاني: أن الغواية والضلالة اسمان مترادفان، والغي ضد الرشد، ومثل هذا لا يتناول إلا الفاسق المنهمك في فسقه.
وأجيب عن الأول: بأن المعصية مخالفة الأمر، والأمر قد يكون بالواجب وبالندب، فإنك تقول: أمرته فعَصَاني، وأمرته بشرب الدواء فَعَصَاني وإذا كان كذلك لم يمتنع إطلاق اسم العصيان على آدم بكونه تاركاً للمندوب فأجاب المستدل بأنا قد بيّنّا أن ظاهر القرآن يدل على أنَّ العاصي يستحق العقاب، والعرف يدل على أنه اسم ذم، فوجب تخصيص اسم العاصي بتارك الواجب، ولأنه لو كان تارك المندوب عاصياً لوجب وصف الأنبياء بأسرهم بأنهم عصاة، لأنهم لا ينفكون من ترك المندوب.
فإن قيل: وصف تارك المندوب بأنه عاص مجاز والمجاز لا يطرد.